احبتي في الله موضوع اعجبني فاردت ان امتعكم به ؛
إذا كنت ممن يسهل عليهم العطاء ولا يؤلمهم البذل فأنت سَخِي، وإن كنتَ ممن يعطون الأكثر ويُبقون لأنفسهم فأنت جواد. أما إن كنت ممن يعطون الآخرين مع حاجتك إلى ما أعطيت لكنك قدمت غيرك على نفسك فقد وصلت إلى مرتبة الإيثار..ومرتبة الإيثار هي من أعلى المراتب.
وفضيلة الايثار وحب الخير والعطاء للاخرين، وصفة العطاء من صفة الله عز وجل وعطاؤه لا ينقطع ولا ينتهي سبحانه وتعالى .
: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )( 9 ) الحشر
:"بل تؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى " الأعلى16، 17
و : " قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا" طه 72.
والإيثار خلق لن تجده إلا في مدرسة النبي صل الله عليه وسلم
قال الرسول : (لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحبه لنفسه ) متفق عليه ..
وقال ايضا: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) متفق عليه .
قال علي رضي الله عنه : الإيثار أعلى الإيمان
وقال بعض الحكماء : عامل سائر الناس بالإنصاف وعامل المؤمنين بالإيثار
وقال بعضهم : بالإيثار تملك الرقاب ،
وقيل : من آثر على نفسه استحق الفضيلة
وقال حكيم : من آثر على نفسه بالغ في المروءة
وسئل بعض الحكماء : من أجود الناس ؟
قال : من جاء من قلة ، وصان وجه السائل عن المذلة .
معنى الإيثار
الإيثار في اللغة: التفضيل والتقديم
{ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا }–يوسف- أي لقد فضلك الله علينا، واختارك بالعِلْمِ والحِلْمِ والحُكْمِ، والعقل، والملك لسان العرب
الإيثار في الشرع هو تقديم الغير على النفْسِ وحظوظها الدنيوية؛ رغبةً في الحظوظ الدينية وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة يُقالُ آثرته بكذا، أي خصصته به وفضلته - تفسير القرطبي
الإيثار
أ- لغة: آثره يؤثره إيثاراً: اختاره وفضله . وقال الأصمعي: أثرتك إيثاراً: أي فضلتك .
وضد الإيثار : الأثرة والاستئثار (الأنانية).
ب- اصطلاحاً: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ورغبة في الحظوظ الدينية . تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا، ولو شئنا لشبعنا، ولكننا كنا نؤثر على أنفسنا.
ج- المصطلحات المقاربة للإيثار :الجود- البذل - السخاء.
الفرق بين السخاء والجود والإيثار
أولاً السخاء
أن لا يصعب على الإنسان البذل مما يملكه، ولا ينقصه ذلك
ثانيًا الجود
أن يعطي الإنسان كثيرًا مما يملك، ويبقي لنفسه شيئًا قليلاً، أو يبقي مثل ما أعطى
ثالثًا الإيثار
أن يؤثر الإنسان غيره بالشيء مع حاجته إليه
الإيثار خلق ليس له وجود عند الغرب
من العجيب أن هذا الخلق لو أردت أن تترجمه الى لغة أخرى لن تستطيع..
أي أن الكلمة ليس لها مرادف في الانجليزية ولا في الفرنسية..
ليس فقط في معنى خلق الايثار بل هناك معاني لأخلاق أخرى . .
فمثلا الحياء تجد ترجمته shy أو ashamed وكلاهما يعني خجول ..
وهي لا تعطي معنى الحياء أبدا،
وخلق التواضع تجد ترجمته humble وهي تعني الخضوع والذلة وهما لا يعطيان معنى التواضع.
إن هذه الأخلاق الاسلامية السامية ليس لها وجود عند الغرب وليست هذه فقط فهناك الكثير ..ففاقد الشيء لا يعطيه.
أهم الأسباب التي تعين على الإيثار:
لو لم يكن من فوائده إلا أنه دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق لكفى، فكيف وهو طريق إلى محبة الله سبحانه وتعالي، وحصول الألفة بين الناس وطريق لجلب البركة ووقاية من الشُّحِّ.
1-الرغبة في مكارم الأخلاق، والتنزه عن سيئها، إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل مكارم الأخلاق.
2-بُغض الشُّحِّ، فمن أبغض الشُّحَّ علم ألا خلاص له منه إلا بالجود والإيثار.
3-تعظيم الحقوق، فمتى عظمت الحقوق عند امرئٍ قام بحقها ورعاها حق رعايتها، وأيقن أنه إن لم يبلغ رتبة الإيثار لم يؤد الحقوق كما ينبغي فيحتاط لذلك بالإيثار.
4-الاستخفاف بالدنيا، والرغبة في الآخرة، فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا، وعلم أن ما يعطيه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
5-توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب، فإن ذلك مما يعين على الإيثار، إذ قد يترتب على الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانًا، فما لم يكن العبد موطنًا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته
فوائد الإيثار
يمكن أن نوجز فوائد الإيثار فيما يلي:
الإيثار دليلُ كمال الإيمان وحسن الإسلام
الإيثار طريقٌ موصل إلى محبة الله ورضوانه
الإيثار سبيلُ الألفة والمودة بين المسلمين
الإيثار دليل سخاء النفس البشرية
الإيثار مظهر من مظاهر حسن الظن بالله تعالى
الإيثار دليل علو الهمة والبعد عن صفة الأنانية
الإيثار يجلب البَركة ويُنَمي الخير
الإيثار طريق موصل إلى الفلاح؛ لأنه يقي الإنسان من داء الشُّح
الإيثار من علامات حُسن الخاتمة للعبد المسلم
الإيثار من علامات الرحمة التي تضمن لصاحبها بفضل الله تعالى الجنة وتعتقه من النار
أنواع الإيثار :
1- إيثار رضا الخالق على رضا المخلوق .
2- الإيثار بالمال .
3- إيثار الآخرة على الدنيا .
4- الإيثار بالفضل .
شروط الإيثار :
1- أن لا يؤدي إلى محرم أو مكروه .
2- أن لا يقطع عليك طريقاً .
3- أن لا يفسد عليك وقتك .
4- أن لا يكون الإيثار في القرب والطاعات .
درجات الإيثار
لقد قسم بعض العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
الأولى: أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يخْرُمُ عليك دِينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسد عليك وقتًا، يعني أن تُقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعِمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرَى، وتسقيهم وتظمأ، بحيثُ لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدين، وكلُّ سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثِر به أحدًا، فإن آثرت به فإنما تُؤْثِر الشيطان على الله وأنت لا تعلم.
الثانية: إيثارُ رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطول والبدن ، وإيثار رضا الله عز وجل على غيره، هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلْق، وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم، وعليهم، فإنه قاومَ العالم كُله وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومةُ لائم، بل كان همُّه وعزْمُه وسعيه كله مقصورًا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتى ظهر دين الله على كل دين، وقامت حجته على العالمين، وتمت نعمتُهُ على المؤمنين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاد، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحدٌ من درجةِ هذا الإيثار ما نالَ، صلوات الله وسلامه عليه.
هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم.
قال الشافعي رحمه الله: " رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ"، ومعلومٌ أن لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:
فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ.. .. .. وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ.. .. .. وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ.. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب
الثالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المُعطي حقيقةً.
مواقف خالدة في الايثار : -
من إيثار النبي
إن نبينا محمدًا هو المثَل الأعلى، والقدوة الحسنة لكل مسلم،
يريد أن يصل إلى كمال الأخلاق.
:" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ" الأحزاب
ولقد كان النبي شديد الإيثار، حتى أشفق عليه أصحابه من شدة إيثاره.
وعن جابر رضي الله عنه قال:"ما سئل النبي عن شيء قط، وقال لا" رواه البخاري ومسلم
عن سهل بن سعد رضي الله عنه: كان النبى يخرج لصلاة الفجر كل ليله وكانت المدينه شديدة البرودة فرأته أمرأة من الأنصار فصنعت للنبى عبائة (جلباب) من قطيفة و ذهبتاليه وقالت : هذة لك يا رسول الله ففرح بها النبى و لبسها النبى وخرج فرءاة رجل من الأنصار فقال : ما أجمل هذة العباءة أكسينيها يا رسول الله ,فخلعها النبي واعطاها اياه فقال الصحابة للرجل: ما احسنت،لبسها الرسول صلوات الله عليه محتاجا اليها ثم سالته وعلمت انه لا يرداحدا فقال الرجل: إني والله ماسألتُه لألبسها، إنما سألتُه لتكون كفني.قال سهل : "فكانت كفنه" رواه البخاري.
وبعدغزوة حنين كان نصيب الرسول من الغنائم كثير جداً لدرجة ان الأغنام كانت تملأ منطقة بين جبلين , فجاء رجل من الكفار و نظر إلى الغنائم و قال : ما هذا ؟ ( يتعجب من كثرة الغنائم ) , فقال له رسول الله : أتعجبك ؟ فقال الرجل : نعم , فقال الرسول : هى لك , فقال له الرجل : يا محمد أتصدقنى ؟ , فقال له الرسول : أتعجبك ؟ فقال الرجل نعم , فقال الرسول : إذاً خذها فهى لك , فأخذها الرجل و جرى مسرعاً لقومة يقول لهم : يا قوم : أسلموا , جئتكم من عند خير الناس , إن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفقر أبداً .
وفي رواية للبيهقي قالت عائشة رضي الله عنها: ما شبع رسول الله - ثلاثة متوالية، ولوشئنا لشبعنا ولكن كان يؤثر على نفسه.
ويكفي أن من تسامح ورحمة رسول الله موقفه مع كفار قريش وبعد فتح مكة ... فقد انتظر أهل مكة الذين كفروا بالله وأخرجوا رسوله وحاولوا قتله وآذوه وآذوا أصحابه وحاربوهم انتظروا جميعا بعد فتح مكة أقل شىء منه وهو أسرهم مثلا وإن اقتص لقتلاه ولبعض ما فعلوه معه فسوف يقتلهم أو يصلبهم أو يعذبهم ولكن الكريم لا يفعل إلا ما يليق به فلما فتح الله عليه مكة قال لقريش:"ما تظنون أنى فاعل بكم؟ "قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : "اذهبو فأنتم الطلقاء لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله ليولكم".
فعفا عنهم بعد ما ارتكبوامن الجرائم ضده وضد أصحابه ما لايقدر قدره ولايحصى عده ، مع هذا فقد عفاعنهم ولم يضرب ولم يقتل ، ولم ينتقم من تعذيبهم له قبل الهجره فصلى الله عليه وعلى آاله وصحبه وسلم