آفات اللســـان
آفات اللســـان
اللسان من نِعم الله تبارك وتعالى العظيمة ولطائف صُنعه الغريبة , فهو عظيم طاعته وجُرْمُه إذ لايستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غايةُ الطاعة والعِصيان.
فمَنْ أطلق عذبة لسانه وأهمله سَلَك به الشيطان في كل ميْدان وساقهُ إلى كل عِصيان , ولا يكبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم , ولا ينجو من شرِّ اللسان إلا مَنْ قيَّده بلِجام الشَّرع , فلا يُطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفُّه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله , وأعصى الأعضاء على الإنسان : اللسان , فإنه لا تعب في تحريكه وإطلاقه وقد تساهل الخلق في الإحتراز عن آآفاته وغوائله , والحذر من مصائده وحبائله , وإنه أعظمُ آلةٍ للشيطان في استغواء الإنسان .
فلنذكر بتوفيقِ الله تعالى مجامع آفات اللسان وهي عشرون آفة
( 20 )
لنحترز منها , وهي :
أولا : الكلام فيما لا يعني .
ثانيا : آفة فُضول الكلام .
ثالثاً : آفة الخوض في الباطل .
رابعاً : آفة المراء والجدال .
خامساً : آفة الخُصومة .
سادساً : آفة التقعُّرِ في الكلام .
سابعاً : آفة الفُحْش والسب وبذاءة اللسان .
ثامناً : آفة اللعن لحيوان أو جماد أو إنسان .
تاسعاً : آفة الغِناء والشعر .
عاشراً : آفة المزاح .
حادي عشر : آفة السُخرية والإستهزاء .
ثاني عشر : آفة إفشاء السر .
ثالث عشر : آفة الوعد الكاذب.
رابع عشر : آفة الكذب في القول واليمين .( ثم بيان التعاريض في الكذب )
خامس عشر : آفة الغيبـــة .
سادس عشر : آفة النمـــيمة .
سابع عشر : آفة ذو الوجهين .
ثامن عشر : آفة المدح .
تاسع عشر : آفة الغفلة ( وآفة الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى
الكلام ولاسيما فيما يتعلق بالله وصفاته )
ثم العشرون : آفة سُؤال العوام عن صفات الله تبارك وتعالى وهي آخر الآفات .
بيان عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت
اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت فلذلك مدح الشرع
الصمت وحثَّ عليْه , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مَنْ صَمتَ نَجَا } ,
وقال عليه السلام :
{ الصمتُ حِكم وقليل فاعله }
, وقال عقبة بن عامر
: { قلتُ يا رسول الله ما النجاة ؟ قال :
أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك }
, وقال سعد بن سهل الساعدي :
{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ يتكفَّلْ لي بما بين لِحْيَيْه ورجليْه أتكفَّل له الجنة }
وقد سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال عليْه الصلاة والسلام :
{ تقوى الله وحُسْن الخلق } , وسُئِل عن أكثر ما يُدخل النار فقال :
{ الأاجوفان : الفم والفرج }, قال معاذ بن جبل : { قلتُ يارسول الله أنُؤَاخَذْ بما نقول ؟ فقال
: ثَكِلَتْكَ أمُّك يابن جبل وهل يُكَبُّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ }
وعن سعيد بن جبير ( مرفوعا) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تُذَكِّرْ اللسان أي تقول : اتقِ الله فينا فإنك إنِ استقمتَ استقمنا وإنِ اعوججتَ اعوججنا } , وقال عليه الصلاة والسلام : { ألا أُخبركم بأيسر العباده وأهونها على البدن : الصمت وحسن الخلق }
وقال ابن مسعود : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس ثلاثة : غانم , وسالم , وشاحب }
فالغانم : الذي يذكر الله تعالى .
السالم : الساكت .
أما الشاحب : ( امممممم) فهو الذي يخوض في الباطل .
الآثـــــار :
كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى يضعُ حصاةً في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام
, وكان يُشير إلى لسانه ويقول : { هذا الذي أوردني الموارد } , وقال بعضهم :
الصمت يجمع للرجل فضيلتين : السلامة في دينه والفهم عن صاحبه .
فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟؟ فاعلم أن سببه كثره آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمِراء وتزكية النفس وما إلى ذلك من آفات ومصائب
فهذه آفاتٌ كثيرة لا تُثْقِلُ على اللسان ولها حلاوةٌ في القلب وعليْها بَواعثٌ من الطبع ومن الشيطان .
ففي الخوض خطر وفي الصمتِ سلامه , فلذلك عظمت فضيلته هذا مع ما فيه من جمع الهم والفراغ للفكر والذكر والعباده والسلامه من تبِعاتِ القولِ في الدنيا ومن حسابه في الآخرة , فقد قال الله تعالى { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد } , ومَنْ عرف دقائق اللسان عَلِمَ قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم { من صمت نجا } هو فصل الخطاب فلقد أُوتي والله جوامع الكلام .