يا بني اركب معنا ! د. عائض القرني
ابني
الشاب، ابنتي الفتاة، نصيحة مشفق: جرِّب الحياة، واعرف الدنيا، حلوها
ومرّها، وحقّها وباطلها، وشرّق فيها وغرّب.. واللهِ لا نجاة لكم في بحر
الأهوال إلا بركوب سفينة رسول الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛
فلا يخدعنّكم أحد بزخرف من القول وباطل من الحديث، ولا يغرنّكم متحذلق
متشدّق متفيهق باسم حرية المعتقد وحرية الأديان وحرية الرأي وحرية التفكير
والكفر والتنوير؛ فتعرضوا عن سرِّ سعادتكم ومفتاح شرفكم وباب نجاتكم
ونجاحكم..
واللهِ ليس لكم إلا الصلاة عاصمًا من الهمّ والغمّ والكدر
وتأنيب الضمير وضيق الصدر. لقد لقيتُ شبابًا في الشرق والغرب، بعضهم كان
منغمسًا في النعيم الدنيوي والترف المادي، لكنه فكَّر في الانتحار؛ لأنه
كان يعيش بلا إيمان ولا صلاة ولا تسبيح، وقال أحدهم: فأدركتُ بعدما عدتُ
إلى رحاب رحمة الله الواسعة معنى قوله تعالى: {
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}
[طه: 124]؛ فعرفتُ أن القصر والسيارة الفاخرة والذهب واليخت بل الدنيا
كلها لن تشرح صدري، ولن تُسعد روحي وأنا بعيدٌ عن الله وعن عبادته.
إن
أخوف ما أخاف على شبابنا وفتياتنا موجة التشكيك الهدّام لمعتقدهم، ورياح
الإلحاد التي تحمل السموم والهموم، وتنخر في قلوب الجيل الصاعد. كم رأيتُ
من شاب يحدثني بعدما عاد إلى المسجد والدموع تنهمر على خدّه وهو يعلن أنه
وجد الرضا والسكينة والأمن الداخلي والمصالحة مع الله، ثم مع النفس والناس.
أين نجد الأمن إذا لم نجده عند الله في سجدةٍ خاشعة، أو دمعةٍ صادقة، أو
تسبيحة موحية أو تلاوة متدبّرة؟ أين نجد السعادة إذا فررنا من الله؟ أين
نجد العز إذا هربنا ممن له ملكوت السموات والأرض، صاحب العَظَمة والكبرياء،
لا إله إلا هو؟ أين نجد الملاذات الآمنة المطمئنة في عالمٍ كلّه غابة،
القوي يعدو على الضعيف، والكبير يلتهم الصغير، والغني يتجاهل الفقير؟
كلما
وجدتُ شابًّا يصلي ويُسبِّح ويتعاهد المسجد علمتُ أنه عرف الحقيقة، وركب
سفينة النجاة، ودخل باب القبول.. كلما وجدتُ شابًّا معرضًا لعبت به شياطين
الأنس والجن، عرفتُ أنه يعيش الحيرة والاضطراب والعذاب الأليم والنكد
والشقاء.
أبنائي، واللهِ ليس هناك إلا
عملية فرار كبرى نقوم بها على منهج القرآن: {فَفِرُّوا إلى اللَّهِ إِنِّي
لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50].
الأمر خطير، جدُّ خطير، ليس هناك إلا الفرار، الخطر الداهم يزحف عليكم، على
دينكم، على معتقدكم، على رسالتكم الربّانية، ولا ملجأ لكم إلا كنف الله
واللجوء إلى قوّة الله العظمى؛ فالفرار الفرار إلى الواحد القهار، ولا
تصدّقوا الأبالسة الذين يهوِّنون المسألة، ويبسّطون الأمر، ويسهّلون
القضية، ولا تصغوا للدجاجلة الذين يزهّدون في بضاعة الأنبياء، وينفّرون من
ميراث الرسل، ويقلّلون من شأن الإيمان بالله؛ إنهم صرعى الشبهات، وأرقّاء
الشهوات، وجنود الباطل، وأحزاب الضلالة، وقوافل الشّر، ومصيرهم مع شيخهم
إبليس في قعر جهنم وبئس المصير.
يا أبناني، ويا بناتي.. الصلاة الصلاة
بلا مداهنة أو مساومة أو تنازل، الصلاة في الجامعة، في السوق، في الحضر، في
السفر، في الصحة، في المرض، إذا سمعت (الله أكبر) تهزُّ العالم وترجّ
الكون وتدكّ صروح الباطل وتنسف خرافات الإثم وتحطّم معاقل الزور، فقم إلى
الصلاة. يا أبنائي، ويا بناتي.. استعينوا بالصبر والصلاة في معركة الحياة،
تعالوا جميعًا نسجد للملك الحق العظيم الجبّار، ونبكي على ما فرّطنا في جنب
الله؛ فإن الأمر جدٌّ على رغم أنف كل ساخرٍ مستهزئ حقير فاشل.
أرجو أن تقفوا دقيقة مع هذه الآية، وأن تردّدوها وأنتم باكون أو متباكون: {
يا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ
عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2].