أبو البقاء الرندي
لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ
وَهَـذِهِ الـدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ وَلا يَـدُومُ عَـلى حـالٍ لَها شانُ
يُـمَزِّقُ الـدَهرُ حَـتماً كُلَّ سابِغَةٍ إِذا نَـبَت مَـشرَفِيّات وَخـرصانُ
وَيَـنتَضي كُـلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو كـانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ
أَيـنَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ وَأَيـنَ مِـنهُم أَكـالِيلٌ وَتـيجَانُ
وَأَيـنَ مـا شـادَهُ شَـدّادُ في إِرَمٍ وَأيـنَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ
وَأَيـنَ مـا حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ وَأَيـنَ عـادٌ وَشـدّادٌ وَقَـحطانُ
أَتـى عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ حَـتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
وَصـارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ
دارَ الـزَمانُ عَـلى دارا وَقـاتِلِهِ وَأَمَّ كِـسرى فَـما آواهُ إِيـوانُ
كَـأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ يَـوماً وَلا مَـلَكَ الـدُنيا سُلَيمانُ
فَـجائِعُ الـدُهرِ أَنـواعٌ مُـنَوَّعَةٌ وَلِـلـزَمانِ مَـسرّاتٌ وَأَحـزانُ
وَلِـلـحَوادِثِ سـلوانٌ يُـهوّنُها وَمـا لِـما حَـلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ
أَتـى عَـلى الـكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ حَـتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا
دهـى الـجَزيرَة أَمـرٌ لا عَزاءَ لَهُ هَـوَى لَـهُ أُحُـدٌ وَاِنـهَدَّ ثَهلانُ
أَصـابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت حَـتّى خَـلَت مِـنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ
فـاِسأل بَـلَنسِيةً مـا شَأنُ مرسِيَةٍ وَأَيـنَ شـاطِبة أَم أَيـنَ جـيّانُ
وَأَيـن قُـرطُبة دارُ الـعُلُومِ فَكَم مِـن عـالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ
وَأَيـنَ حـمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ وَنَـهرُها الـعَذبُ فَـيّاضٌ وَمَلآنُ
قَـوَاعد كُـنَّ أَركـانَ البِلادِ فَما عَـسى الـبَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ
تَـبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ كَـما بَـكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ
عَـلى دِيـارٍ مـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ قَـد أَقـفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ
حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما فـيـهِنَّ إِلّا نَـواقِيسٌ وصـلبانُ
حَـتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ حَـتّى الـمَنابِرُ تَـبكي وَهيَ عيدَانُ
يـا غـافِلاً وَلَـهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ إِن كُـنتَ فـي سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ
وَمـاشِياً مَـرِحاً يُـلهِيهِ مَـوطِنُهُ أَبَـعدَ حِـمص تَـغُرُّ المَرءَ أَوطانُ
تِـلكَ الـمُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها وَمـا لَـها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ
يـا أَيُّـها الـمَلكُ الـبَيضاءُ رايَتُهُ أَدرِك بِـسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا
يـا راكِـبينَ عِـتاق الخَيلِ ضامِرَةً كَـأَنَّها فـي مَـجالِ السَبقِ عقبانُ
وَحـامِلينَ سُـيُوفَ الـهِندِ مُرهَفَةً كَـأَنَّها فـي ظَـلامِ الـنَقعِ نيرَانُ
وَراتِـعينَ وَراءَ الـبَحرِ فـي دعةٍ لَـهُم بِـأَوطانِهِم عِـزٌّ وَسـلطانُ
أَعِـندكُم نَـبَأ مِـن أَهلِ أَندَلُسٍ فَـقَد سَـرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ
كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم قَـتلى وَأَسـرى فَـما يَهتَزَّ إِنسانُ
مـاذا الـتَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ وَأَنـتُم يـا عِـبَادَ الـلَهِ إِخـوَانُ
أَلا نُـفوسٌ أَبـيّاتٌ لَـها هِـمَمٌ أَمـا عَـلى الـخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ
يـا مَـن لِـذلَّةِ قَـوم بَعدَ عِزّتهِم أَحـالَ حـالَهُم كـفرٌ وَطُـغيانُ
بِـالأَمسِ كانُوا مُلُوكاً فِي مَنازِلهِم وَالـيَومَ هُـم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ
فَـلَو تَـراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم عَـلَيهِم مـن ثـيابِ الذُلِّ أَلوانُ
وَلَـو رَأَيـت بُـكاهُم عِندَ بَيعهمُ لَـهالَكَ الأَمـرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ
يـا رُبَّ أمٍّ وَطِـفلٍ حـيلَ بينهُما كَـمـا تُـفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبـدانُ
وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت كَـأَنَّما هـيَ يـاقُوتٌ وَمُـرجانُ
يَـقُودُها الـعِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً وَالـعَينُ بـاكِيَةٌ وَالـقَلبُ حَيرانُ
لِـمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ إِن كـانَ فـي القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ