خطبة الجمعة بعنوان ( نهاية الظالمين )
الحمد لله ذي الجلال والإكرام ــ والطول والإنعام ـــ والعزة التي لأترام ــ
والجوار الذي لا يضام ــ ( قل لمن ما في السموات والأرض قل لله كتب علي نفسه الرحمة
ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا
أنفسهم فهم لا يؤمنون وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم)
سبحانه بيده الخلق والأمر ــ لا تفني كلماته ــ ولا تنفذ خزائنه ولا تنتهي اختباراته
( وأن إلي ربك المنتهي ، وأنه هو أضحك وأبكي ،وأنه هو أمات وأحي)
سبحانه هو يحيي ويميت ــ ويعطي ويمنع ــ ويخفض ويرفع ــ ويهدي ويضل ــ ويعز ويذل
( قل الحمد لله لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا)
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ند له ولا ظهير له تفرد بالكمال والجلال وبمطلق الجمال
وتفرد بالكبرياء في السموات والأرض وتفرد بالعظمة الأزلية والأبدية وتفرد بالإلوهية فلا
يعبد سواه ولا يشرع لخلقه سواه سبحانه إذا قضي فلا راد لقضائه وإذا حكم فيلا معقب
لحكمه وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أمام
المتقين وسيد المرسلين ورحمة الله للناس أجمعين الأمي الذي علم المتعلمين واليتيم الذي
بعث الأمل في قلوب اليائسين والفقير الذي قاد سفينة هذه البشرية في محيط هذه الحياة إلي
شاطئي الله رب العالمين، صلي الله عليه وعلي اله وصحابته والتابعين وتابعيهم ومن سار علي دربهم،
وسلك هديهم ،واستن سننهم وصف أقدامه علي طريقهم إلي أن يقوم الناس لرب العالمين
أما بعد
إلي متى تمضى بنا الأيام والسنون وعامل التسويف هو العامل المتصرف في حياتنا وأعمالنا ،
فنفــكر ثم نعزم ،ثم يقوم عامل ما فنؤجل ــ وتمضي الأيام سراعا وليتها تمضي مليئـــة
بالعـــمل ــ فنتذكر ثم نفكر ثم نعزم ثم يكون التأجيل ـــ وما هو العمر حتي يتسع لعشرات
من هذه الدورات ألتي لا تكاد تنتهي حتي نبدأ ،،، وقد لا يكون موضوع التفكير مثيرا
والعزم مثيرالأن أصحابه لم يصلوا إلي النهاية المثيرة ، تالتي تستحق الإعجاب وتثير الاشتياق،،
إلا أن الحكم بمجرد النهاية قد يكون حكما قاصرا وظالما فقد يكون استعراض سلسلة الأحداث
مما يغير رأى الذين لا ينظرون إلا إلي النهايات وحدها ،، ثم إن اعتبار الهزيمة نهاية المطاف أمر فيه نظر
،، فانهزام الأشخاص في حياة الدعوات لا يعدو أن يكون أمرا عارضا وإن هو إلا طور من أطوارها
،، كالبذرة التي يعتبر دفنهاواختفاؤها زمنا تحت التراب ، حتي تطأها أقدام الغافلين طورا من أطوار
حياتها للا تستقيم حياتها إلا به ، وهذه الظاهرة فيما أعتقدوأعلم تلازم كل الدعوات علي اختلاف
أهدافها وأفكارها وقد اعتبرها الإسلام سنة لم يستثن نفسه منها ، فتاريخ الدعوة الإسلامية منذ
بزغ نوره تنتابه هذه السنة ، فمصباحه بين التبلج والخفوت حتي يظن أنه قد انطفأ ــــ
وإذا كان لكل شيئ عدو من جنسه فالدعوة التي تقوم علي فكرة اقتصادية تنبري لها فكرة
اقتصادية أخرى همها دحرها والانتصار عليها ،، والدعوة التي تقوم علي فكرة إجتماعية
تنبري لها فكرة اجتماعية اخري همها دحرها والقضاء عليها حتي تحتل مكانها ،،
وهكذا تنبع من كل فكرة ، الفكرة التي من جنسها حتي تقضي عليها وتحل محلها
ـــــ والدعوة الاسلامية لأنها دعوة عامة تشمل كل مناحى االحياة سواء كانت اجتماعية
أو سياسية أو اقتصادية ، إلي عقيدة ولغة وعادات ، فقد جرت عليها طبيعة تحزب الأعداء
عليها من كل ناحية ومن كل جانب وفي كل عصر ــ وبذلك كانت محاولات القضاء
عليها أمرا لا مفر منه لولا استنادها إلي عنصر خلت منه كل الدعوات السابقة وهي
ركونها إلي ركن شديد من تكفل رب العالمين لها بالنصر{ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا
المرسلين أنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} ــــ ولقد برزت علي طول
الزمن أفكار ودعوات تألقت حينا ثم اختفت من الوجود ثم حل محلها أفكار أخري مناقضة
لها تصدت لها وظلت تطاردها حتي قضت عليها إلي ألأبد ، ومضت كومضة برق برقت
في التاريخ إلي غير رجعة ، ثم تصدت لهذه أيضا فكرة أخري فعلت بها ما فعلت هي بسابقتها
حتي صار الجميع مجرد حديث يرويه التاريخ ولا أثر له في الوجود ـــــ أما الدعوة الإسلامية
بأفكارها وأهدافها ووسائلها فلم تكن بمثابة ومضة البرق التي تضيئ فتبهر ثم تختفي من الوجود
، بل كانت بمثابة الشمس التي أشرقت فأخرجت العالم كله من من ظلام الليل إلي وضح النهار
ــ ثم اعتورتها سحب منها الخفيت ومنها الكثيف فكانت تحجب ضوءها بقدر كثافتهاحتي
خيل لبعض المغرورين أنهم استطاعوا يستأصلوا شأفة الشمس مضللين من حولهم بكثافة
السحب ثم لم تلبث السحب أن انزاحت فبرزت الشمس ساطعة كما كانت وذهبت السحب إلي غير رجعة { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقدلي ياهامان علي
الطين فاجعل لي صرحالعلي أطلع إلي إله موسي وإني لأظنه من الكاذبين ،
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم
في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ، وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار ويوم القيامة
لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين } ـــــ
{ ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصروهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون
، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء
معه الملائكة مقترنين ـ فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا انتقمنا
منهم فأغرقناهم اجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين }وهكذا تقرأ التاريخ فتبدو لك شمس
الدعوة الاسلامية ساطعةثم يخبو ضوءها حينا مهما طال ذلك الحين وراء سحب المؤامرات
التي تحاك لها من داخلها أو من خارجها ثم لم تلبث هذه السحب مهما ادلهم ظلامها أن تنجلي فتبرز لك
شمس الدعوةالاسلامية متألقة كما كانت ولعل هذا مصداق قوله تعالي
{ يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبي االله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون }
ـ والدوافع وراء المؤمرات التي تدبر للدعوة الاسلامية تنحصر عادة وتنبع دائما من حب
السيطرة الذي يستولي علي نفوس بعض الحكام سواء كانوا من المنتسبين إلي الاسلام
بحكم مولدهم أم كانوا من غير االمسلمين ، يجد هؤلاء الطغاة في الدعوة الاسلامية العقبة الكبري
أمام تحقيق مطامعهم في حب السيطرة ، لأن الاسلام بطبيعته ما جاء إلا لتحرير الإنسان والقضاء
علي الاستبداد والاستعباد لغير الله ـــ وعقيدة الاسلام هي التوحيد
( لا إله إلا الله وحده لا شريك له )
هذه العقيدة هي ما دعا إليه كل نبي ورسول سبق رسولنا صلي الله عليه وسلم فعقيدة
عيسي هي نفس عقيدة موسي وإبراهيم مصداقا لقوله تعالي ( قل آمنا بالله وما أنزل
علينا ومما أنزل علي ابراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسي
وعيسي وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون )
إلا أن أطماع الدنيا وتسلطها علي نفوس بعض من آلت إليهم شؤن الإفتاء في أمور
الدين بعد الأنبياء فعلت فعلها فجعلت من هؤلاء الورثة أداة طيعة في أيدي المستبدين
من الحكام فحرفوا في كتبهم وزادوا عليها وأخفوا منها حتي يستقر الأمر في أيدي هؤلاء
المستبدين من الحكام ولذلك نجد لكل طاغية من يصوغ له دستورا وقانونا خاصا يحكم به
قبضته علي الشعب ولذلك نجد القران يذكرهم بفعلهم ويفضح أمرهم فيقول
( وقطعناههم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات
والسيئات لعلهم يرجعونفخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتابيأخذون عرض هذا الأدنيويقولون
سيغفر لناوإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب
ألا يقولوا علي الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )
ــــــــــ كيف يستطيع حاكم مستبد أن يحكم شعبا وفي أعماق كل رجل منهم
وامرأة وطفل ينادي ويهتف في كل وقت من ليل أو نهار، أن لا إله إلا الله ،
وأن لا خضوع إلا لله، وألا فضل إلا من عند الله ، وألا خوف إلا من الله،
وألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيئ )
ـــ ( قل أغير الله أتخذ وليا فاطر االسموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ) ـــ
( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )
ــــ والعداء بين الطغاة من الحكام وبين العقيدة الاسلامية مستحكم من قديم ، فهذا الحاكم
المستبد الذي أحس خطورة هذه العقيدة علي ظلمه واستبداده فاستدعي صاحبها في ذلك
الوقت أبراهيم عليه السلام وهو في غرور سلطته وقوته وجبروته وأدار معه حوار
علي النحو الذي ورد في القران الكريم ، ( ألم تر إلي الذي حاج ابراهيم في ربه أ
أن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال ابراهيم
فإن الله يأت بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفروالله لا يهدى القوم الظالمين )
فينهزم الحاكم المستبد حين يدخل في حوار مع صاحب العقيدة الاسلامية فيفقد صوايه ويطيش
عقله ولا يجد في جعبته إلا البطش والإرهاب فيأمر بإحراق صاحب هذه العقيدة لعلها تحترق
بإحتراقه وتبيد ويستريح منها ولا يجد أمام استبداده عائقا يقف في وجهه ــ
( وابراهيم إإذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون
من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ، إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا
عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ) ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا
اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) وأمر الحاكم الظالم
بحرق إبراهيم عليه السلام ووقف الشعب يهتف ــ إحرق إحرق يانمرود ، أقتل أقتل يانمرود ،
بالروح بالدم نفديك يانمرود ووقف مؤيدا للحكم ومشاهدا للنار الذي صنعه النمرود ليلقي فيها
ابراهيم عليه السلام فكانت النتيجة الرانية أن يقول رب العالمين (قلنا يانار كونى بردا وسلاما علي ابراهيم )
فأنجاه الله من النار ــــ وكانت نهاية الحاكم الظالم أن أرسل الله تعالي بعوضة تسكن
في رأسه وكانت لا تسكن إلا عندما ينادى علي الخادمات يضربن رأسه بالنعال حتي تسكن وظل
علي هذا حتي أهلكه الله تعالي فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
ـــــ والجلادون في كل عهد من عهود الاستبداد هم يد الطاغية التي يبطش بها
ورجله التي يمشي بها وعينه التي ينظر بها وأذنه التي يسمع بها ، ولولاهم ما قامت لمستبد قائمة
ولا لطخت صفحات التاريخ بين الحين والحين بأقذار الطغيان ،سواء كانوا من الاعلام أو الشرطة
أو القضاء أو بغض رجال االدين ، أو البلطجية المستأجرون لقتل الشعب الأعزل ،،
ولذا تجد القران لا يوجه الانذار للطاغية وحده بل يخاطب معه حاشيته وزبانيته فيقول
( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) ويقول ( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب )
وقال تعالي ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من اللذين اتبعوا ورأوا العذاب
وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك
يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ووما هم خارجين من النار ) وقال تعالي
( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) ـــــــــــ والقارئ للقرآن الكريم حين يقرأ قصة موسي وفرعون
ويري القران يقلبها بين صفحاته ليجد فيها من معاني الظلم والاستبداد ومن ألوان
الزهو والكبر والغرور من فرعون وحاشيته ومن أفانين الاضطهاد والتعذيب وأصناف التنكيل
والإبادة الموجهه إلي العقيدة الاسلامية التي كان يحملها في ذلك الوقت قلة من بني اسرائيل
ــ هذا القارئ سيتبين له لماذا يكن الملوك المستبدون والحكام الطغاة الكراهية لهذا الكتاب
ولماذا يحيكون ضده المؤامرات ،فالقران يؤجج ثورة عارمة ضد كل مستبد ظالم
( طسم ، تلك آيات الكتاب المبين ، نتلو عليك من نبأ موسي وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ،
إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم
ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ، ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في
الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ،
ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان
وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )
،ودعوة موسي عليه السلام لاتخرج عن كونها ،دعوة لإنقاذ شعب ،إضطهده حاكم مستبد لا لشيء
إلا لأنه مستمسك بعقيدته، ورسالة موسى عليه السلام ، رسالة واضحة ،, والتى تتعارض
وطغيان هذا الحاكم ، كلف موسى أن ينتشل شعبا ًعاش حياة الذل ، وحياة الإستبداد ،
وفقد القدرات والإمكانات وأستمرأحياة القهر ، كلف موسى أن ينتشل هذا الشعب ليكون شعبا يستطيع
أن يتحمل قيم السماء، ويستطيع أن يحمل إرسال السماء إلى الأرض ،ولهذا كان
ولا بد من أن يكون لهذه المهمة رجلا ًينشئه الله تنشئة خاصة ،ليستطيع أن يقف فى
وجه هذا الحاكم وحاشيته ، ولينفخ من روحه فى روح هؤلاء الذين عاشوا حياة الذل وحياة القهر
، ،لهذا كان إعداد الله رب العالمين لموسى عليه السلام ، وكذلك لإعداد رب العالمين
للفرعون أن تكون نهايته على يد رسول لم يولد بعد ،،على هذا النحو منذ البداية ولد موسى
عليه السلام فى ظروف صعبة ،والسكين توشك أن تحتز عنقه ،والفرعون أوكل
عيونه وجواسيسه أن يتصنتوا ويتسمعوا ويعرفوا المواليد الجدد ،فيأخذهم ويقتلهم
{يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم} ،وها هى أمه بعد أن وضعته ،مضطربة ،قلقة ،
حائرة ،خائفة ،ماذا تصنع لهذا الوليد ؟ كيف تمنع بكاؤه إذا بكى فيخرج صوته خارج
البيت فيسمعه من بالخارج فيأخذوه للفرعون فيقتله ،لا تستطيع أمه أن تلقنه حيلة أودرسا ً
يفر به من الذبح ،فهو لا يزال صغيرا لا يعرف الحيل ولا يفهم الدروس لا تستطيع
أن تمنع الجواسيس من أن يأخذوه ،ولا تستطيع أن تمنع صوت بكاؤه الفطرى ،
هنا تدخل قدرة الله رب العالمين ،فيوحى ألى أمه ،يعرفها كيف تتصرف
{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى أنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم،أنت إن خفت على ضياع شيء إحتفظت به وأودعته فى مكان خفى
لا يعلمه أحد ،ولكن مقتضى الحال عند أم موسى أنها إذا خافت على وليدها وفلذة كبدها أن
تلقى به فى اليم سبحان الله ،خفت عليه وهو بين يديك ،خفت عليه وهو فى حضنك ،خفت
عليه وهو بين صدرك ونحرك ،خفت عليه وهو يلتقم ثديك ،خفت عليه وهو فى المكان
الذى يظن أنه موضع الأمان ،،فألقيه فى اليم ،فى البحر يعنى ألقيه فى المكان الذى لا
أمان فيه ،إنه هنا فى رعاية الله ،إنه هنا فى عناية الله ،أنه هنا فى كنف الله ،إنه هنا فى يد الله ،
أنه هنا فى المكان الذى لا تستطيع أيدى المجرمين أن تقترب منها ،أنه هنا فى حماية الله رب العالمين
، ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ،ويشاء القدر أن تتجاوب أم موسى
مع هذا الوحى الإلهامى الذى ألقى فى نفسها ،فتلقى بوليدها وفلذة كبدها فى اليم
،فيحمله اليم إلى أغرب مكان من الممكن أن يحمله إليه ،إلى المكان الذى كانت
تخاف أم موسى أن يصل إليه بدايةًوينقل موسى من صدر أمه إلى صدر الأمواج
الهائجة وهذا درس للمؤمنين أصحاب الدعوات ،أن الله تعالى حين يشمل برعايته
وعنايته من يصف أقدامه على طريقه لا تستطيع المخاوف أن تقترب من حماه
وإذا المخاوف أدركتك عيونها،،،نم فالمخاوف كلهن أمان
ويصل موسى إلى قصر الفرعون(فالتقطه أل فرعون) وهو طفل رضيع لا
يستطيع أن يفعل شيئا ،إنها إرادة الله تتحدى الطغاة ،،إنكم تريدون أن تبطشوا
بهذا الوليد الذى لا حول له ولا قوة ،،أنا سأربيه فى قصركم ،وستتولون تربيته بشخصكم
،وعلى يديه سيكون هلاككم وأنتم لا تشعرون،،إنها قدرة الله رب العالمين التى أنَّا لِأى قدرة
بشرية أن تكون لها فى موضع التحدى مثل ما ظن الفرعون الطاغية ويتربي موسي في قصر الفرعون بعد أن عادت إليه أمه لترضعه
وينشأ ويكبر في قصر الفرعون وتتوالي القصة حتي يقتل رجلا من شيعة فرعون فيهرب
خائفا يترقب ويذهب إلي مدين ويتزوج وتأتيه الرسالة أن يذهب إلي الفرعون ليدعوه إلي طريق الحق ،
ويلتقي الفرعون وملئه من جنوده وبلاطجته وحاشيته من الأعلام الكاذب ومن السحرة
وهم يهتفون أقتل أقتل يافرعون أذبح إذبح يافرعون بالروح بالدم نفديك يافرعون كل
هذه الحشود ضد موسي عليه السلام ويدور الحوار بين الفرعون وموسي عليه السلام
، فيقول كما حكى القران ( فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ، أن أرسل معنا بني اسرائيل )
ويحس الفرعون من موسي قوة وصلابة فيحاول تاستمالته فيقول له
( الم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت
وأنت من الكافرين ) وقد يلين الرجل إذا ذكر بهذا الفضل الذي لا يجحد إلا
في موقف واحد وهو موقف يتعلق بالعقيدة التي لا مساومة عليها فيقول موسي ردا عليه
( فعلتها إذن وأنا من الضالين ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين )
ثم يقرر موسي مبدأ خطير بإن استعباد الناس جريمة يذهب
مع فظاعتها كل فضل أتاه المستبد فيقول ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني اسرائيل )
ويأخذ الطاغية في أسلوب يحاول به إخفاء طغيانه فيفعل ما فعل طاغية إبراهيم عليه السلام
غذ يدخل معه في حوار ( قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض
وما بينهما إن كنتم موقنين ، قال لمن حوله إلا تستمعون ، قال ربكم ورب أبائكم الأولين ،
قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ، قال رب المشرق والمغرب وما بيتهما إن كنتم تعقلون )
وهنا يفحم الطاغية كما أفحم أخ له من قبل فيقد صوابه ويطيش عقله حين يجد نفسه أمام حجج
لا قبل له بمكابرتها فيكشر عن أنيابه ( قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين )
ثم يشأ الله رب العالمين أن تكون نهاية هذ1ا الفرعون الظالم تكون علي يد موسي عليه السلام
ثم يقول الله تعالي ( اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك اية )
ليكون عبرة لكل ظالم عبرة لكل طاغية عبرة لكل جبار في ألارض
ونحن لسنا بصدد السير مع قصة موسي وفرعون بكل الوجوه التي
قلبها القران فإن ذلك مجال جد فسيح وإنما قصدنا إلي إيراد وجه من هذه الوجوه لندرك منه
مدى خطورة هذه العقيدة علي طموح المستبدين وأمال الطغاة الظالمين ، وكيف أن هذا القران
بما جاء به من عقيدة هو تحد دائم وقائم لا ينثني وسيف مصلت لاينثلم حده في وجه الطغاة
والاستبداد علي كل العصور نسأل الله رب العالمين أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يخذل
أهل الشرك والمضلين وأن يهلك أعداء الدين اللهم أكرمنا ولا تهنا واعطنا ولا تحرمنا
وأرضنا وارض عنا وأثرنا ولا تؤثر علينا اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وذكاتنا
واختم بالصالحات الباقيات أعمالنا اللهم امين
وصلي الله علي محمد وعلى اله وصحبه وسلم وأقم الصلاة