مدرسة الحياة
فن التعامل بين الناس
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين وعلي أله وصحبه أجمعين
أما بعد
يقول ابن الجوزي رحمه الله " مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحدا ما استطاع فإنه ربما يحتاج إليه مهما كانت منزلته
وإن الإنسان ربما لا يظن الحاجة إلي مثله يوما ما ،
كما لا يحتاج إلي عويد منبوذ لا يلتفت إليه
كم من محتقر أحتيج إليه ؟؟
فإذا لم تقع الحاجة إليي ذلك الشخص في جلب نفع
وقعت الحاجة إليه في دفع ضر
ولقد احتجت في عمري إلي ملاطفة أقوام ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلي التلطف بهم
واعلم أن المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذى من حيث لا يعلم
لأن المظاهر بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضربا وقد يلوح منه مضرب خفي وان اجتهد المتدرع في ستر نفسه فيغتنمه ذلك العدو
فينبغي لمن عاش في الدنيا أن يجتهد في ألا يظاهر بالعداوة أحدا لما بينت من وقوع لاحتياج الخلق بعضهم لبعض وإقدار بعضهم علي ضرر بعض "
وهذا فصل يفيد الإنسان مع تقلب الزمان
عصب هذه الخاطرة يدور على كلمة الحكمة لأن الطيش صرة كل شر والحكمة وجماعها الحلم والعلم هي مصدر كل خير "
كثير من العداوات بين الناس كان يمكن أن تذهب بكلمة طيبة كان يمكن أن تظهر ببذل الندى مهما كان قليلا ،
لكن الحمق والطيش وحظ النفس والتحدي هو الذي جعل العداوة بين الناس كالهواء الذي يتنفسه البشر
يقول ابن الجوزي أنه مما أفادته التجارب ألا يظهر العداوة لأحد
طيب ليه ؟؟؟؟
لأنك لاتدري أتحتاج إلي هذا الإنسان أم لا ؟؟؟
هفترض أنني رجل مشهور ومعروف والناس كلها بتتوجه إلي في مصالحها في دفع ضر ، وفي كشف كربة ، وفي بذل ندى ، وفي حل مشكلات بين الناس أو في وساطة أو في فتوى
ساعات يأتيك بعض الناس في مهنة محتقرة بين الناس وانت شايفه طول عمره كده حقير بينزل البكبورتات ويفحت فيها يعني مهنة حقيرة ومهملة ورائحته كريهه بينزح البكبورتات للناس قد يكون هذا الإنسان يوما سبب نجاتك وأنت لا تدري
والمعروف دائما ينتظر صاحبه علي الطريق لازم تعرف دي وتجعلها قانون
ومن يعمل الخير لا يعدم جوازيه
ولا يضيع العرف بين الله والناس
هناك قصة وفيها عبرة وقعت لإمام كبير علم من مشايخ أحمد ومشايخ الإمام أحمد كان كثير منهم معظمين عنده مثل الشيخ يحي ابن سعيد القطاني وكان معظما عند الإمام أحمد يعنى حاجة كبيرة أوي أوي الشيخ اللي هتكلم عنه الوقت كان معظما عن الشيخ يحي ابن سعيد القطاني كمان وكان يختم القران كل ليلة ولا تتعجب من ذلك اللي حافظ القران ميه يعني كالماء الجاري يقدر يقرأ سورة البقرة في ربع ساعة يعني ممكن يختم القران في 18 ساعة فقط ودي فتوحات من عند الله وأعى تقول إزاي ؟؟
وكان يصوم الدهر ، ونبل بأبيه طبعا بتقولوا ياترى مين ده ؟؟؟
ويعني إيه نبل بأبيه ؟؟
يعني كان أبوه محدثا أيضا ومن ثقات المحدثين وكان واليا علي بيت المال في الكوفة من هو ؟؟؟
هو الأمام العلم إمام أهل الكوفة وكيع ابن الجراح وكان علي خصومة بالغة مع مين ؟؟
مع الإمام العلم إمام أهل مكة في الحديث الإمام سفيان ابن عيينة نحن نريد أن نضرب مثلا عن هؤلاء العلماء كيف كانوا يتعاملون مع بعضهم والخصومة قائمة بينهم "
ذهب وكيع ابن الجراح إلي مكة حاجا فاجتمع عليه الطلبة وطلبوا منه أن يحدثهم بحديث " فحدث بالحديث الأتي عن إسماعيل ابن أبي خالد عن عبد الله البهي أن النبي صلي الله عليه وسلم لما مات جاء أبو بكر فكشف وجهه وقبله وقال بأبي أنت وأمي يارسول الله طبت حيا وميتا قال " ثم أن النبي صل الله عليه وسلم ترك يوما وليلة حتى ربى بطنه وانثنت خنصره ( ربى بطنه يعني اتنفخ بطنه واخضر خنصره يعني بدأ العفن يظهر في اللحم )
لما سمع أهل مكة هذا لم يتحملوه إزاي يقال هذا الكلام والرسول صل الله عليه وسلم بأبي وأمي هو هو الأن هو كما هو وهو ميت كما هو وهو حي لم يتغير منه شيئ فهو صل الله عليه وسلم طيب في مماته كما هو طيب في حياته
وإذا كان الشهداء وهم دون الأنبياء لا تبلى أجسادهم فكيف بالأنبياء ؟؟ فكيف بسيدهم صل الله عليه وسلم
المهم أن المكيين لم يتحملوا القصة دي ورفعوا القصة الي أمير مكة قالوا له إن وكيع ابن الجراح هو دا بقى الإمام اللي احنا عمالين نتغزل فيه من بدري
قالوا إن الإمام وكيع ابن الجراح حدث عن النبي صل الله عليه وسلم بكذا وكذا أول الأمير ما رفعت إليه الشكوى قال أنصبوا الخشبة خارج الحرم أعلقه عليها وأصر أن يصلبه وأن يقتله ليه ؟؟؟
لأنه روى شيئ فيه غض من رسول الله صل الله عليه وسلم
والرسول عليه الصلاة والسلام خط أحمر لا يتجاوزه أحد أبدا ولا ينبغي لأحد قط أن يسمح له أن يتعدى هذا الخط
نحن ما ضربت علينا الذلة والمسكنة والعار إلا بترك الفسقة والفجرة يتعدون علي عرض النبي عليه الصلاة والسلام يعني أما يطلع صحفي قليل الأدب ويكتب في جريدة ويقول : هل النبي كان سنيا أم شيعيا ؟؟؟
لما يطلع صحفي جاهل جهول مجهال يقول النبي لم يكن مصريا "
لما يطلع قاضي أو مستشار كان وزيرا للعدل يقول : النبي لو أخطأ هحبسه
وخد بقى كل يوم نسمع كلام عن النبي صل الله عليه وسلم كأنه بيتكلم عن واحد عادي ماشي في الشارع
والله يقول (يا أيها الذين أمنوا لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) لا تقل له يامحمد أنت ممنوع أن من هذا إذا ناديته لا تناده باسمه المجرد تنادى علي أخوك أو جارك أو زميلك أه أنت حر لكن رسول الله صل الله عليه وسلم لا تناده إلا برسول الله صل الله عليه وسلم وأن تخفض صوتك عند ذكره إجلالا وإعظاما واحتراما وتوقيرا وتقديرا لا يقال له إلا بالنبوة والرسالة يارسول الله يانبى الله دى فاطمه بنته ما كانت تقول له يا أبي كانت تقول له يارسول الله ولا واحدة من أزواجه كانت تقول له يامحمد؟
الكل يقول يارسول الله
يعني في باب النداء ممنوع أن تقول يا محمد بل تقول يارسول الله
إنما اللي حصل
دا وكيع بيحكي حكاية وسندها منقطع وهي منكرة لأن عبد الله ابن البهي لم يدرك زمان النبي صل الله عليه وسلم ولم يدرك أبا بكر والعلماء جعلوا هذه القصة في باب التندر والمذاكرة وليس من باب الاحتجاج فبعض العلماء كانوا يتحدثون بمثل هذه الغرائب
فما بالك إذا جاء بهذه الغريبة إمام علم وكوفي وجاء مكة حاجا يعني بالنسبة لأهل مكة وكيع دا فاكهة عالم كبير وهم يعلمون أن وكيعا يعظم النبي عليه الصلاة والسلام
ومع ذلك أول ما ذكر هذه القصة ووصلت لأمير مكة قال أنصبوا الخشبة لابد أن يصلب وأن يقتل
الأول حبسوه وعرف وكيع أنه سيقتل حبسوه لحد ما يتداوله في أمره عشان يقتلوه فكان وكيع معه صاحبه فقال له إيه العمل ؟؟
نعمل إيه إزاي نخرج من هنا؟؟؟
فقال لصاحبه إحنا مضطرين نكلم سفيان ابن عيينة معنى مضطرين يكلموا سفيان ابن عيينة
طيب ليه ؟؟
لأنه كان بين سفيان ابن عيينة إمام أهل مكة وبين وكيع ابن الجراح إمام أهل الكوفة خصومة فكانت بينهم مشاكل وخصومة علمية بين مدرسة أهل الكوفة ومدرسة أهل مكة
لما وكيع قال لصاحبه إحنا مضطرين قال له بص بقى المسألة مفيش فيها هزار دا قتل يابا ــــ أنت ستقتل لازم تبعت لسفيان وإلا ستقتل
فارسلوا لسفيان ابن عيينة ـــ فلما وصلت الرسالة لسفيان إن وكيع محبوس والولي سيقتله فذهب سفيان ودخل يكلم الأمير
الأمير رفض أبدا لازم يقتله يتحايل عليه مفيش فايدة لازم يقتله يجيبوا يمين يجيبوا شمال أبدا الأمير مصر أن يقتله
الأمير قالوا لأ بيتكلم في النبي مفيش فيها حل لازم أقتله ـ خد بالك واللي بيكلموا مين دا سفيان أمام المكييين يعني رجل علم ومشهور ومعروف والأمير مصر علي قتل وكيع
لما سفيان لاقى الأمير مصر علي قتل وكيع قام أضطر سفيان يهدده
فقال له هذا رجل نبيل معروف من أهل الكوفة وله أهل وعشيرة ووالده بباب أمير المؤمنين أبوه والي بيت المال يعني منه لأمير المؤمنين علي طول ، لو قتلته ستقتل به وقد نصحتك وأنت حر
قال فأثر وعمل فيه كلام سفيان فأطلق سراحه وعفا عنه
لما أطلقه وعفا عنه من وجسارة وكيع أنه رايح علي المدينة مش يروح لبلده الكوفة وخلاص لا دا راح للمدينة
أهل مكة أول ما عرفوا أن أمير مكة أطلق سراح وكيع وعرفوا أنه راح المدينة أرسلوا لأهل المدينة إنتظروا وكيع علي الطريق فإذا وصل إرجموه وأقتلوه لأنه قال عن الرسول كذا وكذا
قال فلما علموا بذلك أرسل سفيان ابن عيينة مرسال إلي وكيع وهو في الطريق أنه ما يروح المدينة ويروح علي بلده علي طول لأن أهل المدينة هيقتلوه فأنقذه من القتل مرتين
الأولي لما خلى أمير مكة يطلق سراحة
والثانية لما أرسل إليه أنه يروح علي بلده على طول ولا يذهب للمدينة ــ شوف مع وجود الخصومة اللي بينهم
ثم قال وفي هذه السنة كان أمير المؤمنين هارون الرشيد بيحج في هذه السنة فعلم بأمر وكيع وعرف القصة كلها
فأستدعى هارون الرشيد العلماء يستفتي في أمر قتل وكيع ابن الجراح بسبب ما قاله وكيع في حق النبي صل الله عليه وسلم ـــ وقال لو كان وكيع في بلاد تركب الأفيال هجيبه ولو كان في بطن الحوت ويستحق القتل هجيبه وهقتله
عمل إيه هارون الرشيد اللي هو أمير المؤمنين الكبير
أرسل يستفتي اثنين من أكابر العالماء في أمر وكيع مين هما الأول سفيان ابن عيينة والثاني عبد المجيد ابن أبي رواد
فقال عبد المجيد ابن أبي رواد لهارون الرشيد يا أمير المؤمنين
: من قال هذا عن النبي يقتل لأنه لايقول أحد مثل هذا إلا وفي قلبه غلا لرسول الله صل الله عليه وسلم
وقال سفيان ابن عيينة يا أمير المؤمنين هذا حديث مروي ومضى في الناس وسمعه وكيع فحدث به ولم يجيئ به من عنده ونحن نعلم أن وكيع يعظم النبي صل الله عليه وسلم وليس هذا الحديث من عنده ولم يخترعه ولم يبتدعه وإنما سمعه فرواه وبرأ ساحة وكيع وأخذ وكيع برأة بسبب هذا فكان هذا سببا في إنقاذ حياة وكيع ابن الجراح للمرة الثالثة
الشاهد من هذه القصة
الخصومة التى كانت بين سفيان وبين وكيع لم تكن كما توجد خصومات تقع بين الحمقى
فالحكماء لما بيختلفوا ويتخاصموا بيبقى بينهم سكك وطرق اتصالات وللتأويل مجال والإنصاف يظلل هذا كله
إحنا بنجد رسول الله صل الله عليه وسلم لما وجد عمه حمزة مقتولا وقد مثلت بجثته قال والله لأمثلن بسبعين منهم مقابل عمه
ونزل القران يقول للنبي صل الله عليه وسلم
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين
فعفا رسول الله عن قاتل عمه وهو الوحشي والمحرضة علي قتل عمه وهي هند بنت عتبة
ولما وقع حديث الإفك في حق السيدة عائشة رضي الله عنها ونزل القران ببرأتها وكان فيمن تحدث وخاض في شأنها مسطح ابن أثاثة وكان رجلا فقيرا وكان ينفق عليه أبو بكر ويعطيه من فضله أقسم أبو بكر ألا ينفق عليه بسبب ما خاض به في حق ابنته عاشة رضي الله عنها
ونزل القران الكريم يقول
ولا يأتل أولي الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم )
لما نزلت هذه الأية بكى أبو بكر رضي الله عنه وقل بلى نحب أن يغفر الله لنا
وعفا عن مسطح وأعاد إليه النفقة والرعاية مرة ثانية
فمتى يتراحم الناس ببعضم البعض
متى يعفون ويتسامحون ويتراحمون
متى يتنازلون في حقوقهم ويتراحمون فيما بينهم
ألا تحبون أن يغفر الله لكم