للإمام الفقيه / مُحمَّد بْن صالح العثيمين
- رَحمهُ اللهُ تَعَالَى -
الحمدُ للهِ الَّذِي جعلَ جنَّات الفِردوسِ لِعبادهِ المؤمنين نُزُلاً ، ونوَّع لهُم الأعمالِ الصَّالحةَ ليتَّخذوا منها إلىٰ تلكَ
الجنَّات سُبُلاً ، وأَشْهدُ أَنْ لا إلـٰه إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ ، خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ،
وأَشْهدُ أنَّ محمَّداً عبدهُ ورسوله الَّذي شمَّرَ للِّحاق بالرَّفيق الأعلىٰ ، والخلود في جنَّات المأوىٰ ،
ولم يتَّخذ سوىٰ ذٰلك سُبُلاً ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلهِ وأصْحابهِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ مَا تتابعَ القطرُ
والنَّدىٰ وسَلَّمَ تَسْليمًا .
أَمَّا بَعْدُ :
أيُّها النَّاس ! اتَّقوا الله تعالىٰ : ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَٰوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ
مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ ( آل عمران : 133 ، 135 ) .
سَارعوا ! إلىٰ دارٍ أعدَّها الله لعباده الصَّالحين ،
﴿ لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ ( فصِّلت : 31 ) ،
﴿ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ ( الزُّخرف : 71 ) .
« فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رأَتْ ، ولا أُذُنٌ سمعتْ ، ولا خَطَرَ علىٰ قلبِ بَشَرٍ » (1) .
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ( السَّجدة : 17 ) .
أبوابها ثمانية فمَن أنفقَ زوجين في سبيل الله دُعيَ مِن أبواب الجنَّة ، يا عبد الله هٰذا خير .
ومَن كان مِن أهل الصَّلاة دُعيَ من باب الصَّلاة ، ومَن كان مِن أهل الجهاد دُعي مِن باب الجهاد ،
ومَن كان مِن أهل الصَّدقة دُعيَ مِن أبواب الصَّدقة ، ومَن كان مِن أهل الصِّيام دُعيَ مِن باب الرَّيَّان ،
ومَن كان مِن أهل هٰذه الخصال كُلِّها دُعيَ مِن أبوابها كُلِّها .
« بناؤها لَبِنةٍ مِن ذهبٍ ، ولَبِنةٍ مِن فضَّةٍ ، ومِلاطها المسكُ ، وحَصْباؤُها اللُّؤْلُؤُ واليَاقوتُ ، وتُرابها الزَّعفران » (2) .
« فيها غرفًا مِن حُسنها يُرىٰ ظاهرها مِن بَاطِنها ، وبَاطِنها مِن ظاهرها » (3) .
« لِلْمُؤمن فيها خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجوَّفَةٍ ، طُولُها سِتُّون مِيلاً »(4) .
﴿ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ
مُّصَفًّىٰ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ ( محمَّد : 15 ) .
﴿ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ﴾ ( الرَّحمٰن : 52 ) .
﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ ( الرَّحمٰن : 68 ) .
ولا تظنُّوا أنَّ هٰذه مِثلُ ما في الدُّنيا فإنَّهُ لا يعلم حقيقتها ، وحُسنها ، ولذَّتها إلَّا مَن أدركها الاِسم هو الاِسم ،
ولـٰكنَّ المُسمَّىٰ هو المُسمَّىٰ ﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ﴾ ( الحاقة : 23 ) .
أيْ : ثمرتها دانيةٌ ، لمن أرادها ، يتناولها المؤمن بكلِّ سهولة ، يتناولها قائماً ، وقاعدًا ،
كُلَّما أخذ منها شيئاً خلفهُ آخر في الحال ، ﴿ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴾ ( الواقعة : 33 ) .
﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ .. ﴾ ( الدُّخان : 55 ) .
﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ ﴾ فتحضر لهم .
﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾ ، آمنينَ مِن الموت ، آمنينَ مِن الهَرَم ، آمنينَ مِن المرض ،
آمنينَ مِن اِنقطاع تلكَ الفاكهة ، أو نقصها ،
آمنينَ مِن كلِّ خوفٍ : ﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ( الأحقاف : 13 ) .
﴿ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً .. ﴾ ( البقرة : 25 ) ،
﴿ مُتَشَابِهاً ﴾ في اللَّون والهيئة مختلفاً ، في الطَّعم والمذاق ، ﴿ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ ( مريم : 62 ) .
﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ﴾ ( الواقعة : 21 ، 23 ) .
﴿ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾ ( الصَّافات : 48 ) .
﴿ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ﴾ ( الرَّحمٰن : 72 ) .
﴿ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ ﴾ : فلا ينظرنَّ إلىٰ غير أزواجهنَّ ، ولا يتطلَّع أزواجهنَّ إلىٰ غيرهنَّ .
أنشأهنَّ الله إنشاءً ، فجعلهنَّ أبكارًا ، كُلَّما جامعها زوجها عادت بكراً في الحال .
﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ ( الواقعة : 37 ) .
" والعُربُ " : جمع عَروبٍ ، والعَروب هي : المتودِّدة إلىٰ زوجها .
﴿ أَتْرَابًا ﴾ ، أيْ : علىٰ سنٍ واحدةٍ ، ليست إحداهنَّ بأكبر مِن الأُخرىٰ .
﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ ( الرَّحمٰن : 74 ) .
﴿ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُممَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴾
( يس : 56 ، 58 ) .
﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌلَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾ ( الطُّور : 24 ) .
﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ* لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ ﴾ ( الواقعة : 18 ، 19 ) .
إنَّها دارٌ مُطهَّرة ، إنَّها دارٌ مُطهَّرةٌ مِن كلِّ خبث وقذر ؛ فلا غائط فيها ، ولا بول ، ولا مخاط ، ولا نتن ،
وإنما يخرج الطَّعام والشَّراب جشاءً ورشحاً مِن جلودهم كريح المسك ، (5) ،