فكرت أن أبكـــي
لأمتحن مخزون دمــوع
قرأتُ عليها مراسيم الجفــاف
في عيون تحولت من كثرة التكرار
إلى ميناء للذبــــاب
لكن على من سأبكــــي ؟؟
أأبكي على حالــــــــــــي التــي
جرفها الهم و الحزن والقهر والخمول
يكفي أني أنظــــــر
و الصمت ملء جفونـــــي
سأكتفي مني فنفسي شبعت من نفسي
و سأبكي علــى جاري المسكيـــــــن
الذي يطهو طعامه على حطب من جوع
أي طعام وأيـــن الطعام ؟
إطعام ستين مسكيــــــــنا
أطعموا فقط هذا المسكين
الذي يرسم بأسماله خارطة
سمعت بها دوما، خارطة الطريق
إلى الهدنة أم إلى الغزو
غزو فلسطيـــــــــــــــــن
متى انطفأت بندقية درويش
نسيت أن زمن البارود ولَّى
وأن الصدأ أكل حدَّي سيوف العرب
و عقول العــــــــــــــــــــــــــــرب
أين المفر إذن من مجانيق العدو ؟
الذي يرمي بأطفالنا إلى اليتـــــــــــــــــم
إلى مخيمات الإخصاء والعقم و التشرذم
إلى بركان تطفو منه لافا الشتيمة
التي تصهر عرق كل عربي سائر
باحث عن مــــــــــــــــــــأوى
أين عرين جَــــــــــــــــــــــدِّي؟
أ اختفى بين كهوف الجبنـــــــاء؟
أم غطته مِظلات الأعـــــــــداء
أين شعب أشقائي من كل هذا ؟
أيعتقدون أنهم يرمون حجارة من سجيل
أم أنهم يريدون إغراق الجبــال بالطين
أطفــــــــــال مقابل جنــــــود
و شيــــــــوخ مقابل ســــدود
أين المفـر لأنجُو بجسدي عل الأقل
فما عادت شجاعة الهلاك تُجْـــــدي
أمَّـــــــــــة عزلاء خانت جــــــدي
تغنت بالأمجاد و نسيت الأحفـــاد
لا ألومك يا شعب إخوانــــــي
فأنت عربي و أنا و كل الضمائر عرب
فأين القِيــــان أين الليــالــــــــــــي
أين الخمور و أين الجــــــــــــــــــواري؟
أأنساكم المديح ثعابين البــــــــــــــراري
أم أن شعر قيسٍ أحالكم رجــــــــــالا
لا تفكرون إلا بما تغازلون به القوارير
ربما عنتريات أبي فوارس زمانـــــه
جعلتنا في حلــــم دائــــــم
نحلم بسيف ذي يزن أو بسيف علي
علَّـــه يُصْنـــع عند حدَّاد أبـــــــــي
وأين الحديد في زمن الحجــــــارة
رهنت محفظتي بعت دميتي
ولم أحصل بعد على فوهة
أصــوِّب بها على قلب عدوي
أحرقت الدفاتر بالقواعد بالأشعـــــــــــار
بكل ما أملاه علي معلِّمــــــي من أوزار
وأحرقت كتبي بحقول الزيتون و الأنهار
بالعنب بالتين بالصبــــــــــــــــــــــــــار
فقد خاتني الكتــــــــب
لما قررت أن أصنع لنفسي بندقيــــة
فلم أعــــد أقنــــــع بهذا الشعـــر
الذي يكتفــــــــي بالإبكـــــاء
و بعده يأتــــــي البقـــــــــاء
أريد شعري لكن قدري لي بالمرصاد
أريد بندقية أو على الأقل برقيـــــة
أملأهـــا بالوعيد الشديــــــد
المكتوب بأسطـــر من بارود
نفكر دوما كيف نخرجهـــم
و لم نفكر يوما كيف دخلوا
كيـــــف ؟
دخلوا لمـــا كنــــت في خِـــــــدري
مع الجارية التي دسُّوها في قصري
دخلوا نهارا كالضيــــــــــوف
لعبوا معنا الحجلة و نحن أبريــــاء
وأخذوا نصفها لما انصرفنا للغذاء
ثم استولوا عليها كلها في المسـاء
و رضينا بللعب في بيوتـــــنا
فقد امتلأت الشوارع بالدخــلاء
و صرنا نحن في بلادنا غرباء
..........
كنت قد فكرت سابقا في البكاء
لكني تراجعـــــت
إٌذ قررت ألا أكون من النساء
إن زمن التعلــل بالآمال ولـــى
و جــــــاء العهـــــد الجديـــــــــــــــد
سننسى الحجارة و سنحاورك بالحديد
لا تبــــــــــــــــــــــكِ
فلست ممن يعطف على البكائين
فأبنائي بكـــوا قبلـــك
و أمــــي ناحت قبلك
و مات كل حفاري قبور بلادي
لما مات فؤادي وَوُلد مــرادي
فأرضي أرض أجـــــــــدادي
و سيرثهــــــــــا أحـــــــفادي
و أنا من سيكتب لهم الوصية
بدمكم....بعَبَرات أطفالكـــــم
فأطفالي تيتمـــــوا في حياتي
إن آــمالكم قد رحلـــــــــت
و جرفها كناسو شوارع مدينتي
و أصبحت أعذب قمامة
يشتهي الذباب ارتيادها
فاتبعــــــــــوا آمالكم
و ارحـــــــلوا.
كريم الطاهري