إســـتــغاثـة

السلام عليكم
أشعر وكأن ألف عين تراقبني وتحدق في الآن بانتظار ما سأكتب .. بحياتي لم أشعر بهكذا حرج .. يا اللــــه
أولاً .. أنا سني 45 عام .. لست شابا عشرينياً أو ثلاثينياً .. وإن كان مظهؤي العام وملامحي لا توحي بأني أتعدى أوائل الثلاثينات
إطمئنوا .. لن أسرد قصة حياتي ، فلا أنتم ستهتمون ، ولا أنا سأقدر ، ولا الوقت سيتسع
لكن كتقديم موحز .. فأنا نشأت وتربيت بشكل تسوده القيم الدينية المعتدلة وروابط الأسرة المتماسكة على كل المستويات
في صعيد مصر .. أعدني عمي رحمة الله عليه وبتكليف من أبي لأكون مقاتلاً محارباً
أبي رحمة الله عليه كان ضابطاً بمكان مرموق بالجيش .. وكان نائباً للحاكم العسكري في غزة بأوائل الستينات
وحين وقعت نكسة 67 .. أبي أصيب وتم أسره وقضى 13 شهراً في معتقل بتل أبيب .. مدة طويلة بالأسر أكاد أكون حفظت تفاصيلها وتفاصيل ما ذاقه من عذاب خلالها ، وهذا من كثرة ما قص هو علي وحكى لي عنها
لهذا أراد أبي أن يعدني لآخذ له بالثأر .. له ولغيره من رفاق وأصدقاء منهم من نال الشهادة ومنهم من تعذب ومات بأسر اليهود
عمي علمني ضرب النار وأنا بعد في السادسة من عمري .. وحين كنت في الثامنة كنت أستطيع فك وتركيب أي سلاح وأنا مغمض العينين
لم ألعب مع أقراني .. أذكر في يوم أن ضربني ولد يكبرني بأعوام .. فعدت للدار باكياً .. ما أن رآني عمي أبكي حتى صفعني وأطار اثنتين من أسناني
قال لي صارخاً أن الرجل لا يبكي .. وحدها النساء تبكي .. هههههههه .. جيد أنه مات حتى لا يراني الآن
يومها عهد بي إلى صديق له بالقاهرة .. كان صديقه مدير أحد الأندية الرياضية الشهيرة .. وانتقلت أسرتي من الصعيد للقاهرة بحكم عمل والدي الذي ترك الجيش وعمل بالتربية والتعليم .. كان وقتها معلماً للغة الإنجليزية .. ترقى بعدها إلى أن صار مدير تربية وتعليم
المهم .. إنتقلنا للقاهرة وصار جل وقتي أقضيه بالنادي .. مارست الكاراتيه والملاكمة والفروسية والسباحة والتجديف وكرة القدم وطبعاً الرماية
لم يكن لدي وقت حتى للذهاب إلى المدرسة .. كنت أتغيب كثيراً بسبب انشغالي في التمرين بعشر رياضات تقريبا من الصباح إلى المساء ويوميا
سأختصر مشواراً كبيراً لن يهمكم .. المهم .. تخرجت ضابطاً مقاتلاً
شاركت في العديد من العمليات الحربية .. كان آخرها حرب تحرير الكويت
اصبت في مطار علي السالم خلال الحرب .. وتركت الخدمة .. كنت برتبة نقيب
تزوجت زواجاً تقليدياً إراضاءاً لأبي الغاضب من تركي للجيش .. كانت ابنة خالي وأنجبت منها ابنتين
سافرت للسعودية للعمل وبقيت فيها منذ حوالي 20 سنة .. كنت أنزل مصر على فترات متقطعة بأجازات متقطعة
في البدء كانت زوجتي معي هنا .. وحتى ابنتي جاءوا للدنيا هنا بالسعودية .. وحين وصلت ابنتي الكبرى للصف الأول الثانوي نزلت مع أختها وأمها لمصر
عشت لوحدي هنا قرابة أربعة أعوام ولم أنزل مصر إلا مرة منذ عامين ولمدة شهرين بعد أن اشتد المرض بأبي ثم توفاه الله ولحقت أمي به بعد 40 يوم
آخر ما كان يربطني بمصر قد انقطع بوفاة أبي وامي
أعرف أنكم ستقولون منتقدين: كيف يا رجل؟ وماذا عن زوجتك وابنتيك؟ .. ألا تتقي الله فيهم
الأمر معقد ولا استطيع كشف تفاصيله .. لكن باختصار شديد .. أنا بالنسبة لهم مجرد ماكينة صراف آلي .. أرسل لهم النقود بنهاية كل شهر وخلاص
سبق وطلقت زوجتي منذ سنتين بآخر مرة كنت فيها بمصر وبعد وفاة أبي بأقل من شهرين
ولكن مراعاة لابنتي رددتها مع اتفاقنا أنا وهي على أن حياتنا معا قد توقفت .. هي فقط ديكور شكلي أمام الناس
أنا بحياتي لم أعرف غير الحرب والصحراء والمأموريات
إجتهدت وحصلت على بكالوريوس تجارة ثم دبلوما في التسويق من أمريكا
سافرت كثيرا جدا شرقا وغربا .. نمت بأفخم الفنادق بباريس ولندن ونيويورك وكوبا والصين وأمستردام ووارسو وموسكو
ونمت بأنفاق تحت الأرض في غزة أو متعلقاً بشجرة
قتلت كثيرين أيام خدمتي بالجيش .. لا أرى منظر الدم غريباً .. لا أحب الأغاني ولا التليفزيون ولا مشاهدة الأفلام أو المسرحيات
أتعامل بكثير من القساوة والصلابة مع أعتى وأشد أنواع اللم جسدياً ونفسياً
إختبرت كل وأشد ما يمكن أن ترونه بأبشع كوابيسكم .. كنت في سلاح شديد الخصوصية وهذا جعلني أرى الكثير وأعرف الكثير وأختبر الكثير
أنا صارم تماما في العمل .. لي معارف كثيرين جدا وليس لي صديق واحد
منذ عام .. إلتقيت عبر الفيس بوك بفتاة تونسية .. هي أستاذة للغة العربية .. حاصلة على ماجيستير
كان سنها 33 عام .. ليست مراهقة ولا أنا مراهق .. أحببتها
نسيت أن اخبركم أني بحياتي لم أحب ولم يرتجف قلبي لامرأة ولا لحدث أو موقف .. اللهم إلا يوم موت أبي ثم أمي
معها .. إختبرت مالم أختبره في حياتي من مشاعر وكأنها تمت زراعتها فجأة في روحي
كان المفروض أن اسافر لتونس لأخطبها وأتزوجها بعد 3 شهور فقط من الآن
كنا نتحدث عبر سكايبي حين يتيسر لها ولي الوقت .. لأنها كانت تعمل بمعهد لغات
خلال عام كامل .. الآن يتبقى فقط أسبوع ليكتمل عمر العلاقة عاماً .. وخلال العام حدثت بعض الخلافات بسبب اختلاف الثقافات والعادات والقيم
إلى أن وقع الفراق منذ أسبوعين .. حاولت جهدي إسترجاعها دون جدوى
هي ترى أني متزمت .. لأني أرفض ارتدائها ملابس يعتبرونها في تونس (عادية) وشائعة
ليس فقط نوعية الملابس .ز بل والتصرفات والمواقف
إلى أن كانت النهاية عندما سقطت هي على السلم ببيتها وأصيبت بكدمة وتورم بسيط بالرقبة .ز لم يكن الأمر خطيراً أو تسبب في كسور مثلا .. وفوجئت أنا بأنها ذهبت لأخصائي علاج طبيعي .. عرفت بهذا ليلتها بعد أن ذهبت له ليكشف عليها
جن جنوني وثرت وغضبت وكانت هي كالمعتاد هادئة حد البرود .. وقالت لي : هو طبيب ويرى مئات الأجساد العارية كل يوم .. فقلت لها ولكنه رجل .ز فقالت : هو لم يتهعامل كذكر .. وهنا فاض بي .ز فأخبرتها أن ما تراه هي (عادي) أراه أنا بالضبط كأنه خيانة .. كيف تقبل فتاة أن تتعرى أمام رجل ويتحسس ويتفحص جسدها ويدلك هنا وهناك كتفيها وظهرها ورقبتها .. المهم هي وكأنها ما صدقت .. صارت لا ترد على اتصالاتي ولا رسائلي
إنتهت العلاقة .. لكن ما بداخلي لم ينته ولن ينتهي
هي المرة الوحيدة التي وقعت فيها في فخ الحب اللعين .. وليتني ما فعلت
رجل مثلي عاش محارباً وكرمته بلده أكثر من مرة .. يجد نفسه بنهاية المطاف كأنه ورقة شجر تقلبها الرياح في الخريف
أشعر بانعدام توازن وضياع وفقد وغربة بحياتي لم أشعر بها
أشعر بوحدة قاتلة وبحياتي لم أحتاج لأي إنسان .. لكن خطئي أنني أحببت صدقاً وفعلاً
كنت اصحو يومياً وانام على صوتها .. كنت ارى الدنيا طوال اليوم من خلال وجهها .. وللأسف ما زلت
حبي لها استقر في مكان أبعد من حيث يوجدا الكبرياء والاعتزاز بالنفس .. ولو عاد الزمن للوراء فلن أختارها ولكن أيضاً لن أريد سواها
هي رفضت رفضا تاما حتى أن ترد .. لا على الهاتف ولا على رسائلي
عطلت حسابها على الفيس بوك واختفت
حاولت الاتصال بصديقتها المقربة لها لتتوسط حتى أتناقش وأتحدث معها .. دون جدوى
أمس ليلاً صديقتها ارسلت لي تقول : توقف عن ملاحقتها وانساها .. واذهب لرؤية طبيب نفساني
هذه هي المهانة التي وصلت لها .. حين احب بصدق فأنا أأتي أمراً منكراً وأعاني خللا يستدعي - في رأيها - الذهاب لطبيب نفساني
أرسلت لها رسالة أخيرة على هاتفها أشكرها وأتمنى لها السعادة ووعدتها بألا ألاحقها
طيب .. وماذا أفعل وهي تلاحقني بذاكرتي وعقلي وروحي؟؟؟ .. كيف افر من هذا ؟ .. لا اعرف
أطلت .. أعرف .. واعتذر .. أتمنى أن اجد ردا يساعدني

الأخت الفاضلة المهذبة / المحبة في الله

أولاً / اشكرك كثيراً لاهتمامك وصادق تعاطفك .. ولم اعد أستغرب هذه الروح الملائكية التي تسود هنا ، وأظن أن إسم المنتدى كان فعلاً على مسمى

ثانياً / أتفق معك فيما ذكرتيه وذهبت إليه عن أهمية الدفء العائلي ، ولا تظني أنني أغفلت ذكر هذا الأمر عن سهو .. بل عن عمد .. وستجدي في كلامي أني قلت أن الأمر بخصوص أسرتي معقد ولا أستطيع أن أكشف التفاصيل .. وهذا بسبب العديد من الاعتبارات وهي ليست اعتبارات عاطفية أو شخصية بقدر ما هي إعتبارات سياسية صارت تحول بيني وبين الرجوع إلى مصر لا قبل الثورة ولا الآن .. وهذا حتى لا يتصور احد اني كنت مثلا من رموز النظام البائد .. الأمر معقد ولا يمكنني شرحه .. ولن يهم أحد معرفته .. لكن الحاصل هو انني هنا بالسعودية ولن يمكنني النزول إلى مصر قبل فترة من الوقت قد تمتد أعواماً .. ولكن وحتى لو نزلت لمصر .. أنا لن أعيش مع بناتي فقط .. أنا على اتصال معهم ولكن أمهم خلقت لديهم حالة من البلادة الحسية تجاهي .. ولا شك ان غيابي عنهم قد ضاعف من هذه الحالة وساهم فيها
إذن .. فالحالة الآن كما ترين هي أنني .. بلا وطن تقريباً .. بلا اهل .. بلا اسرة .. واضيف أن طبيبي حذرني من أن قلبي لن يتحمل ما انا فيه من اكتئاب واستسلام للغم والهم .. ضغط دمي صار يحطم أرقاماً قياسية في الارتفاع وبالفعل أشعر أنني لست على ما يرام .. وقد قضيت الأسبوع الفائت بالمستشفى وتوا خرجت اليوم ظهراً

ثالثاً / أنا لم أعش يوماً لنفسي من قبل .. عشت فقط لأثبت شرف استحقاقي لارتداء الزي العسكري بانتمائي لأقدم وأعرق مؤسسة عسكرية على ظهر هذا الكوكب وأعشق بلدي بدرجة تصل حد الهوس .. حتى أن ابي رحمة الله عليه كان يضحك مني ويقول : ( يابني انت مش فاهم .. مصر دي مش بنت ناوي تتجوزها .. دي بلد ) .. وكنت أسر حين يقول هذا وكنت أشعر بزهو ورضاء عن النفس حين يتم تكريمي .. لم يكن لي أي أحلام شخصية أو طموحات مادية أو معنوية
عشت لن أقول تفانياً .. ولكن أقول مغيباً .. عشت ولم أحيا .. لم أحب ولم أشعر في حياتي بمثلما شعرت بتجربة العام التي دهست أعوامي كلها وجعلتها تبدو وكأنها كانت لشخص آخر غيري

رابعاً / أدرك تماماً أن العلاقة قد انتهت وأنه يتوجب علي أن اكمل حياتي .. وهذا بالضبط ما لم أعد ارغبه .. ولولا أنني مؤمن بالله ومحافظ على ديني لكان لي تصرف آخر .. وأرجوكي لا تقولي : أتنتحر من أجل امرأة ؟ .. لا .. ليس الأمر هكذا .. بل لأنني اكتشفت أني عشت 45 عاماً منوماً مغيباً .. مجرد آلة عسكرية ثم آلة عمل .. سئمت كوني آلة
قبل أن ألتقيها كنت لا أشعر بالسوء كثيراً إلا حين أكلم بناتي فأجدهن غير عابئات بي أو متلهفات علي .. وبغير هذا كنت أعيش قانعا راضياً .. أعمل معظم اليوم .. كنت مديراً لقلاقة فنادق .. وكنت لا أنام أكثر من 4 أو 5 ساعات لأني بطبعي أحب العمل ، كما وأنه لم يكن لدي ما يشغلني أو اقضي به وقت فراغي
إلى أن التقيتها حينها تبدل كل شيء ولم اعد كما كنت سابقاً... أوحت إلي أن أكف عن العمل براتب لدى الغير وأن ابحث عن شخص أتشارك معه بفندق .. أخبرتها أني لست مليونيرا .. قالت لي: لديك ما هو أهم وأندر .. الخبرة والمثابرة .. وبالفعل .. تركت عملي بعد أن عرض علي أحدهم أن نتشارك بفندق ونشرت وقتها إعلانا بجريدة أطلب شريكا ممولا .ز ثم كان هذا الشخص غير جاد .. وبالتالي كنت تركت العمل ولم آخذ الفندق الذي كنت أسعى إليه
والآن حين أفكر جيدا وأحلل كل ما حدث .. أرى أن السبب الحقيقي لفراقها لي لم يكن حادثة الطبيب .. لا .. أي حادثة آخرى كانت لتصبح كفيلة بإنهاء العلاقة .. هي كانت (بتتلكك) .. بعد أن رأت أن مشروع الفندق لن يتم
أعرف من البداية ولاحظنت أنها مادية .. كانت تطلب بنفسها أن ارسل لها هدايا .. وكنت افعل برغم ملاحظتي لهذا
ولكن كنت أبرر الأمر لنفسي بأن التونسيات مختلفات .. ربما ليس لديهم ما لدينا من حرج إجتماعي يمنع الفتاة أن تطلب هدية من رجلها .. يعني كنت اضحك على نفسي لأصدق أنها كانت تحبني لشخصي
عموماً .. أمامي أكثر من عرض جيد للعمل .. ومعي والحمد لله ما يكفيني .. لست في ضائقة مادية أو قلقا من ألا أجد عملا .. لكن المشكلة هي أنني لن استطيع أن أكمل حياتي كما كنت
صرت أستيقظ وأفتح عيني لأقول : يا الله .. بعدك ما زلت تترطني حياً ليوم آخر ؟ .. أنا تعبت
فقدت الرغبة في الحياة تماما

الأخت / المحبة لله .. أشكرك جزيل الشكر ، نلتقي على خير إن شاء الله

الأخ الكريم / احمد الخطيب
أشكرك لاهتمامك وقراءتك لما كتبته وأشكرك لطيب وكريم ردك
المشكلة اخي .. ولعل هذا مضحك مبكي أنني درست وتعلمت من ضمن ما تعلمته (علم النفس) .. لكن يبدو وكما يقول المثل أن (باب النجار مخلع) .. نسيت كل ما أعرفه .. أو ربما لأن من يده بالماء ليس كمن يده بالنار .. ولهذا لم أتمكن من استدعاء شيء مناسب مما أعرفه لأداوي به نفسي .. او لأكتب لي روشتة ووصفة طبية تعينني على تقبل حياة ما عدت أرغبها

وللأسف أكرر: موضوع الرجوع للعائلة غير ممكن .. ثم وأن خلافي مع زوجتي والذي أوصلنا للطلاق يوماً .. لم يكن أثناء ظهور هذه الفتاة في حياتي .. يعني بمعنى آخر أنا لم أتقبل الحياة مع زوجتي أيام كنت اتحرك واعيش كماكينة .ز فما بالك بالآن؟ .. لا توافق ولا انسجام ولا ولا ولا .. كما وأن موقفاً قد حدث وقتها هو الذي كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير وجعلني أقرر أن الانفصال أصبح وجوباً وضرورة .. لكن ما ذنب بناتي في سوء اختياري؟ .. لم أتعود أن يدفع غيري ثمن أخطائي .. لدي الشجاعة لأعترف وأقر بأخطائي وادفع ثمنها

الأمر وما فيه الآن هو أنني صرت زاهداً حتى في تناول الطعام .. تصور؟ .. خرجت من المستشفى بإقرار وقعته بأنني أخرج على مسئوليتي الشخصية .. هههههه .. إقرار ساذج .. طيب أكيد هو على مسئوليتي .. وإلا فعلى مسئولية من إذن أخرج ؟ .. فقط أتمنى أن يكون طبيبي صادقا في توقعاته حين قال أني لن أصمد شهراً .. ولو أني أرى الشهر كثير جداً وبعيد جداً .. أنا تقريباًُ أنام ساعتين في اليوم .. ولا أعرف كيف حتى أرى الحروف التي أنقرها الان ؟.. هي ميزة أخرى من مزايا الخدمة العسكرية .. أن تكون لديك القدرة لتعمل تحت أي ظرف بدون كلل

عموماً اخي الغالي من الأرض الغالية التي لي فيها اصدقاء وأحباء وأهل وذكريات .. كل الحب والإعزاز لك وبالذات لأخهل غزة الحبيبة التي أفتقدها وأتوحشها كثيرا كثيرا

فليقض الله أمراً كان مفغعولا

الأخت الكريمة / ياسمين

أشكرك على اهتمامك وتفضلك بالرد
أعتز برأيك وبرأي الأخت محبة لله والأخ أحمد الخطيب
أود فقط أن أوضح شيئاً .. وأرجو أن تنتبهوا له جميعاً حرفياً .. أنا ذقت كل وأسوأ أنواع الألم جسدياً ونفسياً .. وأكرر: اعنيها حرفياً .. إختبرت آلاماً لا يتصورها أحد .. وكنت مرات ومرات بيني وبين الموت إرادة اللع وحكمه وقضاؤه .. وبالتالي أنا لست الشخص الذي (يجزع) .. والمقام هنا ليس مقام (جزع) .. اذكر يوم أن دفنت ابي أنني لم أبك إلا وأنا أوسده القبر .. ، وكذلك يوم أن دفنت أمي .. نفس الشيء
علاقتي بالله متصلة وغير منقطعة .. ودوماً لا ألجأ غلا له ولا أستعين إلا به وأدرك حضوره وجلاله بكل وقت وحين .. ليس الأمر مثلاً أنني بعيد عن الله ، او أن زيادة في الصلاة ستحل الأمر وتخفف من أثره .. لا .. ولست يائسا من رحمة الله وإلا لكنت انهيت حياتي من قبل أكثر من مرة .. ولكني فقط أرزخ تحت وطأة ألم لا يوصف ولم أختبره من قبل برغم كل ما اختبرت وجربت .. لا أعرف كيف اصفه حتى تفهموني ؟!! .ز ليس مجرد فقد إنسانة اتفق معك أنها لا تستحق .. وصدقيني أؤمن تماماً بأنني كنت أراها على حقيقتها من البداية وكنت أضحك على نفسي حتى لا أنقطع عن هذا العالم السحري الذي وجدت نفسي فيه .. قد يبدو هذا سخيفاً اعرف .. ولكن لدي الشجاعة لأعترف وأقر بهذا
أنا سمحت لها أن تضحك علي وكنت أعزي نفسي بأني قد أكون مخطئاً ومتحاملاً وأظن السوء بها .. ومرة اخرى كنت أعزي نفسي بأن هذا قد يكون طبع بعض التونسيات باعتبار أنهم مجتمع متفتح ومتمدين أكثر ولديهم ثقافة مختلفة .. يعني مثل الأجانب .. يتعاملون بدون حساسية وحرج مثلما نتعامل نحن بكثير من الأمور .. ثم أن العلاقة كانت بغرض الزواج وليست للتسلية وحب المراهقين .. رأيت وكلمت اهلها ويعرفون جميعاً أنها صارت خطيبتي وأننا بطريقنا للزواج خلال شهور
أعني .. أن الأمر كله كان يسير بشكل يجعلني أستبعد أن تكون العلاقة فقط من أجل زيجة مرتاحة ماديا وخلاص .. والإنسان عادة يحب أن يصدق ما يحب أن يصدقه .. للأسف
قرأت على بعض المنتديات نصائح لحالات مشابهة تدعوهم للدخول في تجربة حب جديدة لتنسيه السابقة .. وبصراحة لست مقتنعا أخلاقياً ولا منطقيا بهذا .. فالحب ليس قراراً نأخذه وننوي تنفيذه .. .. بحياتي لم أؤمن بالحب ولم أسع إليه .. بل وكنت اسخر من زملائي أو اقاربي حين كانوا يقصون علي تجاربهم .. وكنت اعتبره سخفا ولا يليق برجل
سألت نفسي منذ قليل سؤالاً إفتراضيا: ماذا لو أنها اتصلت واعتذرت وأبدت رغبتها في استئناف ما كان بيننا؟ .. هل حينها سأفرح وأجيبها بنعم ؟ .. وكم كانت دهشتي من نفسي حين وجدتني أرفض هذا رفضاً قاطعاً
تعرضت بحياتي لخيانات كثيرة من أصدقاء وزملاء ومعارف ومجهولين .. طابور طويل من الخونة .. عليها أن تحجز لها مكاناً في مقدمة الطابور .. وأنا لا أعطي أي خائن فرصة ثانية .ز الشيء الوحيد الذي قد أعطيه له هو رصاصة بين عينيه ، فهذا ما يستحقه في عقيدتي ورأيي وقناعتي
وحين وصلت لهذا الحد من التفكير .. وجدت أن مصيبتي أكبر .. لأني لن أقبل عودتها .. وهذا تأكيد مؤكد لانتهاء العلاقة .. فزاد إحساسي بالوحشة والألم

الأخ الكريم أبو حيدر
أرجو تقبل خالص احترامي وتقديري ولك تحياتي .. كان ردك على أحد مشاركات الأعضاء هو ما جعلني أشرف بالانضمام لكم والتواجد بينكم
تقبل تحياتي وسلامي وشكري لك وأنتظر رايك وقتما تسمح ظروفك ويسمح وقتك

الأخت الكريمة / ياسمين
قد تعرفين جيداً هماهية ذا النوع من الحب .. ولكنك لا تعرفيني .. سبق وأن فعلت ما قلته مع شخص كنت أعتبره أخي وصديقي وزميلي .. فعلت هذا معه حين اكتشفت خيانته .. أصدرت الحكم ونفذته .. أنتم لا تعرفون عني شيئاً .. وحين أقول أنني سأفعل هذا معها لو أنها أمامي فثقي من هذا .. ما اشعر به الآن يتجاوز وجودها من عدمه .. يبدو أنني أحببت الصورة التي كنت أتخيلها عليها .. وليس هي نفسها .. زمان كنت حين اتلقى الضربات في حياتي أقول لنفسي: أصمد يا رجل .. فكل ضربة لم تقتلك ستزيدك صلابة وقوة .. لكن يبدو أن حتى الجبال قد تنهار يوماً تحت تأثير قطرة ماء إضافية

أعتذر .. الرسالة الأخيرة كنت اقصد توجيهها للأخت رسالة .. كتبتها خطأ موجهة للأخت ياسمين
عفواً .. وجب التنويه

الأخت / المحبة في الله
أشكرك .. ودوماً لا يغيب الله عن بالي واستغفره بكل وقت وحين .. من جرب حلاوة مشقة الجهاد في سبيل الله يدرك جيداً قيمة وعظمة ورحمة الله .. وطمعي في رحمة الله يدفعني لحب لقاءه
أبداً لم أهاب الموت .. في سيناء بأواخر التثمانينات كنت قد تخرجت لتوي برتبة ملازم .. كانت مصر غارقة في بحور الدم وقتها .. وكنا نداهم وكور الإرهاب .. لم أشعر للحظة بخوف الموت .. بل على العكس .. تمت تربيتي لأكون مشروع شهيد
وبعدها .. في غزة .. وبعدها في حرب الخليج .ز لم أهاب الموت في يوم .. لا أقولها الآن لأتفاخر أو أدعي الشجاعة
لو أنني هذا الشخص المتفاخر لما أتيت هنا لأعرض عليكم فشلي وخيبتي
وإلا .. فسأكون كشخص يقف عارياً ويتباهى بطراز ساعة يده
ما قصدته هو : لست قانطاً من رحمة الله ولست خائفاً من الموت الذي توقعه لي طبيبي خلال شهر .. بل على العكس .. أرى الشهر مدة لا أقدر على تحملها .. كل ما في الأمر أنني تعبت حقاً .. وأشعر أنه صار من حقي أن استريح
وحتى يأتي موعد الراحة .. أجدني أشعر بعبثية غريبة في كل شيء .. واشعر أن نصلا من خشب ينتصف صدري وآخر يمزع رأسي .. أشعر بوحدة لا توصف .. لكن وجودكم وردودكم خير معين .. خففت كثيراً من قساوة الحال
أما بالنسبة للموضوع المميز .. فلا أجد أولى للكتابة عنه الآن من حالة الأفول التي تنهي مسيرتي
وبالمناسبة .. لست رجل قلم وكتابة .. كنت وعشت محارباً وكنت أود أن ألقى الله محارباً .. لكنه سبحانه وتعالى له الحكم والأمر من قبل ومن بعد

الأخت الكريمة / ملاك الروح
أشكر لك صادق تعاطفك ورائع كلامك .. للأسف ليست لدي المقدرة على التعامل مع اللغة بما لديك من قدرة .. لكني ممتن كثيراً وأرى أن ما وصفتيني به كثير علي .. أكررشكري لمجاملتك وحسن انتقائك للكلمات
زمان كان أبي رحمة الله عليه يقول لي: أنت كالديناصورات .. كائن منقرض .. وكنت اضحك .. لم أكن أعرف وقتها أنه لم يكن يمزح وأنه كان يراني بشكل لم أتمكن أنا من رؤيته في حينه
وصدقيني .. ليس جيداً أن تكوني ديناصور .. فالناس قد تحب رؤية ديناصور .. لكن في كتاب أو سينما أو تليفزيون
لا أحد يحب أن يرى ديناصورا بباب بيته .. أول شيء سيفعلونه لو حدث هذا .. سيكون ماذا؟ .ز بالضبط .. سيسعون لقتله والتخلص منه
وهذا كان تقريباً حكم الفتاة التي أحببتها علي حين أبلغتني عن طريق صديقتها أن أذهب لرؤية طبيب نفساني
كانت أول نتيجة مباشرة لما حدث أن اصبت بجلطة في القلب .. وارتفع ضغط دمي ليصل رقما قياسيا .. وأنا الذي لم اشكو يوما من أي مرض باستثناء البرد والزكام كباقي الناس
إفراز الأدرينالين عندي مرتفع .. واصبح ضغطي مرتفعا بشكل صعب .. ولهذا فقد توقع طبيبي أنني لن اصمد لكثر من شهر .. بل وأصر على عدم مغادرتي المستشفى .. إلا أنني لم أطق البقاء فيها كالعجزة
لا أحد يريد ان يموت ولا تظني أني غير راغب في الحياة لأنها ليست معي .. بل لأني أقبل بحكم الطبيعة وما قاله أبي ذات يوم فلا مكان بهذا العالم لديناصورات .. مكانها الطبيعي هو المتحف أو بباطن الأرض عميقاً
عموماً كل إنسان يأخذ نصيبه لا اكثر ولا اقل .. وهذه العلاقة التي فجرت كل شيء .. كسرت الجليد الذي كان يحفظني ويبقيني حياً .. وجعلني أحيا .. تخيلي .. رجل في الخامسة والأربعين وتزوج وانجب .. ولم يجرب الحب يوماً ولا حتى ساعة .. لا بصباه ولا بشبابه .. وفجأة تكسر مطرقة الحب الجليد الذي كان يحفظه ليخرج للحياة . وفجأة بعد عام واحد يجد نفسه مطالباً بالعودة للتحنيط في الجليد من جديد .. أنا لا اقبل بهذا .ز حتى ولو كان الثمن هو مفارقة هذا الكوكب التعيس .ز منذ أسبوعين وانا أفكر هكذا .. كنت افكر هكذا .. أما منذ الأمس .. فقد تطور الأمر .. وجدت أن مغادرة هذا العالم ليست ثمناً أدفعه .. بل جائزة أنالها .. واظن انني أستحقها

الأخت الكريمة / المحبة إلى الله
أعبر لك عن عميق امتناني بتعليقك المهذب الراقي .. والحق أنه أنا من تشرف بوجودي معكم .. وعلى عكس ما كنت ـظن .. فلم يضايقني أحد ولم يتهكم علي أحد ولم يسخر مني أحد .. كنت أتوقع أن أتعرض لتعليقات من هنا أو هناك تحمل استخفافاً أو استهزاءاً بكلامي ومشاعري .. لكن لدهشتي .. أن حتى من علقوا مشيرين بوجوب مراعاة أسرتي بمصر أشاروا لهذا بمنتهى الموضوعية وبهدوء بدون تهكم ولا استخفاف أو توجيه انتقادات لاذعة لي
أنتم أسرة توفرت لها كل شروط الروعة والرقي .. بدءاً من ذواتكم أنتم أنفسكم وشخصياتكم المهذبة المحترمة الودودة التي تمتليء بحب الخير للجميع ومروراً بانتقاء موفق لإسم المنتدى ثم تصميم رائع لواجهة الموقع وصفحاته بشكل تميز بالحس الفني والذوق سواء في الألوان أو الأشكال بالفلاشات وغيره ، وانتهاءاً بالنظام المحكم الدقيق الذي أراه في كيفية تواجدكم على مدار الساعة وهذه القدرة الرائعة في تغطية كافة الموضوعات ومتابعتها بشكل يجعل صاحب كل موضوع يشعر وكأنه الوحيد الذي كتب موذوعاً وأنكم كلكم مهتمين بالرد عليه وإسدائه النصح والمشورة
الحقيقة .. تفاجأت بهذا النظام والإبداع وتفاجأت أكثر بأرواحكم الطيبة ذات الوجود المميز

بالنسبة لإطائك على كتاباتي .. فأشكرك وأرى أنك أعطيتيني أكثر مما أستحق .. بحياتي لم أهتم بكتابة .. لا شعر ولا خواطر ولا غيره .. فقط كنت أحب القراءة في الكتب الدينية والتاريخ والفلسفة وعلم النفس وعلم الإجتماع
ولهذا كنت دوماً بعيداً عن المشاركة في الإنترنت بشكل جدي من خلال الفيسبوك والمنتديات .. إلى أن قابلتها وكان أكثر تواصلنا عن طريق الشات .. وهي أستاذة في اللغة العربية وحاصلة فيها على ماجيستير .. فكان هذا تحدياً لي ، خاصة وأني بعد أول مرة بحت لها بحبي في الهاتف إنتقدتني .. يومها كنت انتهيت لتوي من عملي وفي طريقي للصيد على الكورنيش .. وحين خرجت كانت السماء تمطر .. وأحب كثيراً جو المطر
فاتصلت بها وأنا بالسيارة وأخبرتها أن المطر ينهمر عندي بالدمام .. فقالت أن الثلوج تنهمر عندها في تونس ورجتني ألا أقود السيارة في المطر وألا أحدثها الآن حتى لا يصير علي مكروه .. لحظتها توقفت بالسيارة جانباً وانتابني شعور غامر بأنني حي .. بل وحي بشدة وجداً .. فباستثناء أمي رحمة الله عليها .. في حياتي لم أكن في محور اهنمام أي مخلوق لأستشعر خوفه علي كما حدث منها وهي تطلب مني التوقف عن قيادة السيارة والحديث إليعها بالطريق
أنا سبق وتعرضت للتعذيب بالصعق .. في تلك اللحظة إختبرت صعقاً جميلاً أصابني بانتشاء ورجفة هزت قرار روحي .. زلزال بقوة هائلة ضربني في الصميم .. زلزال طيب غير مدمر
بهذه اللحظة عاودت الاتصال بها وقلت لها (بحبك يا بت يا مولاتي) .. اذكر هذا كأنه حدث منذ ساعة
وقتها هي ضحكت ولاحقاً في الليل إنتقتني لأني لم أكتبها لها .. فأخبرتها أن ما شعرت به أخبراتها به فلماذا أكتب؟ .. قالت أن الكتابة أسلوب راقي سيجعلني أنسى حياتي الجافة العسكرية الدموية السابقة وأتخلص من ذكرياتها المريرة .. فأخبرتها أنني لا اعرف كيف أكتب .. فقالت (راقب أسلوبي وكيف أكتب وستكتب أحسن مني) .. فضحكت بغير اقتناع
بعد هذه الواقعة بشهرين تقريباً كنت أكتب أحسن منها .. هي اعترفت بهذا وقالت (أنت الآن تكتب أفضل مني) .. فقلت لها (لا أظن .. كل ما في الأمر أني أحبك صدقاً .. وأكثر مما تحبيني) .. فأنا وحتى الآن وأنا أكتب لكم .. لا أفكر وأنتقي وأعيد فأصحح وأحذف وأضيف .. لا .. فقط أكتب ما يحضرني ويعن لي
السؤال الآن: كيف أمحو ما فات وأنساه؟ .. كيف؟ .. تعرفي؟ .. لأن أتذكر شخصاً لم ألتقيه في حياتي هو أسهل من أنساها .. مازلت أتلتفت للهاتف لأترقبه يرن منها .. مازلت أقرأ رسائلها ورسائلي عليه .. مازالت صورها على اللاب وفي عيني .. أفتح عيني وأغمضها وأرى كل التفاصيل والأحداث وصورها باقية
أعرف الآن حين أقيم العلاقة أنها ما كانت لتنجح .. فأنا وإن سافرت شرقاً وغرباً وعشت بأمريكا وأوروبا إلا أنني بأعماقي سأظل هذا الصبي الصعيدي البسيط الذي كان يتعلق بجلباب جده للذهاب للمسجد أو وهو يسير بالحقول
لا أقبل أن يكون لحم حبيبتي بضاعة مكشوفة تزني بها الأعين .. لا أقبل امتهان رجولتي بزعم التمدين والرقي .. وسبق وأن أخبرتها أن نساء تونس الذين يتظاهرن لطلب المساواة بالرجل هن أغبياء .. لأن الإسلام ميز المرأة وأعطاها مكانة محصنة محمية راقية .. فكيف ترفض هذا وتقبل بالدنية ؟ .. كيف ترفض التميز وتريد المساواة ؟ .. وطبعا هي كانت تسكت على مضض وواثق أنها في قرارة نفسها ربما كانت تسبني وتصفني بالتزمت والتخلف
أعرف أنني يجب أن أعلو وأسمو وأرتفع و .. و .. و .. أعرف كل هذا .... ولكن ... !!!!! .. للأسف
عزائي الوحيد الذي يريحني هو أن كل هذا لن يستمر طويلاً .. فقط أريد أن تخف حدته وتقل وطأته

الأخت / المحبة إلى الله
إطمئني .. كلماتك لن تؤلمني لأن المضربوب بالنار لا يتألم كثيراً لو جرح شخص يده مثلا .. وبالعكس كلماتك لا أملك أمامها إلا أن أقدم احترامي وتقديري لأدبك الجم ومجاملتك المهذبة
أعرف جيداً الكلمات التي يجب وضعها بين القوسين حين قلتي أن فتاة مثلها لا تستحق ( ..... ) .. أعرف هذا
ولهذا قلت سابقاً أنني وبالرغم من رغبتي في أن أرى هاتفي يرن وهي تتصل .. إلا أنها لو الآن جاءت من تونس للسعودية وانحنت على قدمي تقبلها .. فهي لا تستحق إلا رصاصة بين عينيها
صدقيني .. فارق كبير بين أن أحبها مازلت وبين أن أقبل بعودتها مجدداً لي في الشهر المتبقي من حياتي
هي لو عادت مجدداً فسأحتقر مشاعري التي حملتها لها .. تلك المشاعر التي أراها أروع وأسعد لحظات حياتي .. عمري الحقيقي أراه عام واحد فقط .. هو عمر العلاقة بيني وبينها
هذه المشاعر التي لم تقدرها هي ولم تثمنها ولم تحسها .. هي أجمل ما عشت واختبرت كإنسان .. ولن أسمح لمخلوق بأن يشوهها أو يلوثها .. وهي لو عادت فستتشوه هذه المشاعر وستتلوث .. هكذا الأمر ببساطة
سأقص عليك واقعة .. لم يعرفها في حياتي إلا 5 أشخاص .. أحدهم قد مات .. والثاني أنا ، والثالث كان قائدي ، والرابع كان إمام مسجد وهي كانت الشخص الخامس .. لأني أخبرتها بها
والآن .. أتطهر أمامكم بقصها عليكم .. ربما هذا سيخفف من عذاب ربي لي حين ألقاه عن قريب
قبل بدء الحرب البرية لتحرير الكويت بليلة تم إسقاطنا بطائرة فوق مزرعة بمدخل محافظة الجهراء .. كنا مجموعة قتالية مكونة من 36 جندي وصف وضابط .. تم تكليفنا بالتمهيد لبدء الحرب البرية وتم تعليق بدء الحرب البرية على نجاحنا في تنفيذ ما كلفونا به .. وكان ببساطة القضاء على كل كائن حي بهذه المزرعة التي كانت تضم قادة القوات العراقية بالإضافة إلى تدمير برج اتصال هوائي كان يربطهم كمركز قيادة بكافة الوحدات العراقية المنتشرة بين الكويت والسعودية
كنا فقط 36 رجل بلا أي سيارات أو مدرعات أو تجهيزات متطورة أو ثقيلة .. فقط نحن بسلاحنا ومع كل رجل سلاحه وذخيرته وقنابله وجهاز لاسلكي وكشاف كهربائي .. أما الطعام فعبارة عن علبة (بلوبيف) ورغيف خبز مغلف مع (زمزمية) ماء تكفي لمدة 48 ساعة وحقنة (أتروبين) لرشقها بالقلب في حالة ما تعرضنا لغازات ولاصق طبي (بلاستر) وقطن وشاش ومطهر .. إسعافات أولية بسيطة ولا تصلح مثلا لوقف نزيف أو خياطة جرح .. وعدا هذا لا شيء
كان المبنى الإداري بالمزرعة مكونا من 4 طوابق ويضم مكاتب القادة وقاعة الاجتماعات
تم إسقاطنا قبل الفجر بساعة .. فهي أحلك ساعات الليل ظلاماً .. تلك التي تسبق شروق الشمس .. وكان لزاماً أن نختبيء وننتظر حتى الصباح لنضمن تجمع القادة بالمبنى الإداري .. ففي الليل .. كل منهم نائم بفيللا مخصصة له وعليها حراسات مكثفة .. كان لا بد من التعامل معهم وهم معا بمكان واحد وليسوا متفرقين بعدة فيللات
كل منا اختار مكاناً ليختبيء به وبحيث نكون متباعدين .. كان معي توأم روحي وزميلي وديقي وأخي .. علاء .. كان (دفعتي) ونشأت بيننا صداقة كانت هي الوحيدة بحياتي لأني لم أطق بعدها أن يكون لي صديق .. لأن أمثالي لا يجب أن يكون لهم أصدقاء ولا يجب أن يتعلقوا بأحد أو يسمحوا لأحد أن يتعلق بهم
معرفتي بعلاء ترجع إلى سن 14 عندما تقدمنا لاختبار مدرسة الكرة بالأهلي بنفس اليوم وتم قبولنا ولعبنا معاً .. أنا كمهاجم وهو كان (ليبرو) .. شخصيته تميل دوماً للدفاع وعدم المبادرة .. كان على قدر غير معقول من الأدب والدماثة والحياء
خلال الأعوام التالية كان لي أخا بمعنى الكلمة .. نخرج معاً .. نذاكر معاً .. نلعب معاً .. كنت أحياناً أبيت ببيته وكان أحياناً يبيت ببيتي .. ونشأت صداقة بين أبي وأبيه .. ثم بين أمي وأمه .. وتخرجنا معاً .. وكان هو شديد الحزن لخوفه من أن يتم إلحاقه بوحدة مختلفة وسلاح مختلف .. وبالفعل .. حدث هذا
هو لم يهدأ وظل مع أبيه وأقاربه يسعون إلى أن استطاع أن ينتقل لوحدتي بعد عامين من تخرجنا .. لكن حتى خلال العامين كنا نلتقي وإن كانت مرات قليلة نوعاً لاختلاف مواعيد أجازاتنا
حين وقع في الحب وتعلق ببنت خالته .. لم يجرؤ على أن يفصح لها عن مشاعره .. وكان يأتي ليحكي لي آلامه وعذابه وأنا أضحك واسخر منه واناشده أن يبقى رجلاً ولا يتحول .. وحتى أريحه .. تطوعت بمقابلتها بأعجوبة لأعطيها رسالة منه .. حتى الرسالة لم يستطع أن يكتبها .. فلجأنا لأحد جيراني وكان صحفياً وقصصت عليه الأمر فتطوع بكتابة رسالة الإفصاح عن مشاعر علاء
أنا الذي كنت أنقل الرسائل بينهما .. وأنا الذي ذهبت لأبيها لأفاتحه في حب علاء لابنته .. إلى أن خطبها قبل ذهابنا للحرب بشهر واحد .. وكنت أنا من أشعل له الليلة رقصاً وغناء
المهم .. في ذلك الصباح المشئوم .. بدأنا الهجوم على المبنى الإداري وبدأ الاشتباك وكان شرسا بشكل لا يوصف
المبنى 4 أدوار .. وكنا قد طهرنا دورين فقط ونستعد لصعود الثالث .. حين رأيت جنديين يحملان علاء وهو على قدميه وذراعاه على كتفي الجنديين .. اصيب بطلقة في رقبته .. دخلت من جهة وخرجت من الأخرى
كان ينزف بغزارة وعيناه (تبربشان) بين غيبوبة وإفاقة
كانا يريدان حمله إلى الخارج فرفضت .. كان تقديري أن خروجهم يعني موتهم الثلاثة لأن الدورين الباقيين كانوا ممتلئين بحراسة وقناصة .. بالإضافة للدعم الذي بدأ يصل من الخارج لنجدة القادة العراقيين
أمرتهم بإنزاله إلى قبو المبنى .. وحين نزلنا أربعتنا أراحوه على الأرض وأمرتهم بأن يصعدوا لمواصلة الاشتباك
كان واعياً وغير قادر إلا على الحشرجة .. كان يحتضر ولم يكن هناك شيء يمكن فعله له إلا لو توفرت غرفة عمليات مجهزة كاملة .. كان يمسك يدي وينظر إلي بطريقة غريبة
ظللنا هكذا أكثر من نصف ساعة
وفي الأخير فهمت ماذا أراد أن يقول لي بنظراته الغريبة .. ففعلت له ما أراد
لا استطيع أن أكمل
أعتذر لكم

الأخت الكريم / المحبة في الله
أشكرك وانا الذي اتشرف بك وبكل الأخوة والأخوات هنا
لكن .. لا أعرف .. فقط أظنك لم تنتبهي لنهاية ردي السابق .. هناك ما أردت قوله ولم أستطع .. لم أتم ما حدث
ربما لو كنت أكملته لما قلتي الآن أنك ترين في أخا تتشرفين به
حين كان علاء يحتضر أمامي وبين يدي ويحاصرني بنظراته ويشد يدي .. كان يريد مني أن افعل له شيئاً
ولأنه كان لي توأم روح فقد فهمت ما أراده
هو أرادني أن أريحه من الألم لأنه لا فائدة من استمراره
هو كان يدرك برغم حالته وقتها أنه لن يجديه شيئاًَ أن ينتظر ساعة أو ساعتين يتعذب خلالها بهذا الشكل
وكان يدرك أيضاً أنني ليس لدي رفاهية الانتظار إلى جواره أراقب خروج روحه .. كان يعلم أن هناك مهمة يجب تنفيذها وأن علي أن أتركه وأصعد لمواصلة الاشتباك وإنهائه والانسحاب من الموقع كله قبل وصول وحدات الدعم العراقية
كنت أقرأ في عينيه كل هذا .. وكنت وقتها اصرخ في الله في سري: ماذا فعلت لك؟ .. لماذا أنا تضعني بهذا الموقف؟
الغريب أنني وقتها لم أبكِ .. فعلت لاحقا وبعدها بشهر تقريباً .. لكن وقتها لم أبك وإن كنت من داخلي شعرت أنني شخص ملعون ينتقم الله منه ويضعه دوماً بأسوأ الاختبارات وأشدها
خلال النصف ساعة أدركت ما أراده علاء وكنت في لحظة أنحيه من رأسي .. وبنهاية النصف ساعة كانت أنفاسه متلاحقة وصوت حشرجته اعلى وهو ينقل نظراته الغاضبة المستنجدة المتألمة بجنون بين عيني وسلاحي بجانبي
كان يستجمع بشكل لا إرادي ما تبقى له من قوة ليجذب يدي باتجاه سلاحي وكأنه يتوسل إلي ويشجعني
وفي الأخير فعلت ما أراده ولبيت طلبه الأخير وأرحته
ها ؟؟ .. ما رأيك الآن يا اختاه ؟ .. هل لازلتي ترينني أخاً يسعد به أي شخص؟ .. أشك
وأضيف لك أمراً آخر .. كررت فعلتي هذه وإن كان الأمر لاحقاً قد اختلف .. كررتها مع شخص وثقت به واتضحت وثبتت خيانته وتواطؤه مع اليهود .. كان هذا في غزة .. وتحديداً بعد واقعة علاء بخمسة شهور .. ولكن في هذه المرة كنت أنا من حاكمه وحكم عليه ونفذت الحكم بيدي
هل تدركي الأمر كله الآن ؟؟
عموماً أكرر شكري .. لكن أنتم كلكم أناس طيبون وخيرون .. لا علاقة لكم بعالم رهيب وجدت نفسي فيه
أحياناً كثيرة حين كنت اصل لذروة الضيق .. كنت فقط أقول : لماذا أنا يا الله؟ .. ثم أعود فأستغفره وأقول : أستغفرك يا رب .. أخجل من أن أبوح لك بشكوايا من افتكارك لي .. أعلم أنك تحبني .. ولهذا تتذكرني بالابتلاء
وما زلت أقولها صدقيني .. ولكني .. حقاً وصدقاً واقتناعاً قد تعبت
أريد فقط أن استريح وأشعر أن بالقريب العاجل .ز الله لن يبخل علي بهذا

الأخت الفاضلة / المحبة في الله
أكرر شكري لردك وتفعمك وتعاطفك وتقديرك للموقف
منذ فترة نصحني طبيبي وهو لا يعرف عني شيئا مما قلته هنا بالمنتدى وإن كان قد خمن صعوبة ما قابلته بحياتي .. نصحني بأن أحكي عن كل ما صادفني وبداخلي إلى شخص أختاره وأثق فيه ورشح لي طبيباً نفسانياُ لأبوح له
وللأسف فلم يمكنني هذا لأكثر من سبب .. أولاً .. لأن ما لدي لا يمكن أن أبوح به لأحد وهذا يرجع لعدة إعتبارات وقيود وضوابط وتعليمات .. وما ذكرته هنا بالمنتدى يقع في حدود المسموح بذكره والذي لن يضر شخصاً أو جهة أو بلداً .. أما ما لدي وصادفته وعرفته فلا يمكن أن ابوح به لأحد وأحياناً ولا حتى لنفسي
وثانياً / لأني لا اثق في أحد .. أقصد فيما يتعلق باستئمان أي أحد على سر أو معلومة ذات طابع حساس .ز ولا حتى من احببتها .. وكثيراً ما كان هذا يضايقها وكانت ترى فيه عدم ثقة فيها .. وكنت أقول لها نعم لا أثق فيط ولا في أي أحد عندما يتعلق الأمر بأسرار أو وقائع لا يجب أن يعرفها أحد .. وما أراه مناسباً أو (يصلح للنشر) فسأخبرك به .. هكذا قلت لها
وثالثاً / لم يعد أمامي متسع من الوقت لهذا .. الراحة قريباً إن شاء الله
لست متشائماً أو سلبياً أو ضعيفاً .. بل هذا هو اختياري
وأكرر شكري لك وخالص امتناني وتقديري