طوبى لمن ترك الجدل ولو كان محقا
حديث ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا .. ).
روى أبو داود عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال .
"أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً،
وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خُلُقَه " رواه أبو داود، في كتاب: الأدب، باب:في حسن الخلق، رقم الحديث: (4800).
الحديث حسنه الالبانى فى صحيح الجامع والسلسله الصحيحة .
هذا الحديث من جوامع الكلم الذي أوتيه النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد اشتمل هذا الحديث – على إيجازه واختصاره -
على أصول الأدب ، وجوامع حسن الخلق، وكيفية التعامل مع الناس ،
وقرن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجزاء والأجر لمن عمل بما جاء فيه، حيث
تكفّل نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بثلاثة بيوت في الجنة:
البيت الأول : في ربض الجنة، أي: أسفل الجنة، لمن ترك المراء وإن كان على حق.
ومكان الشاهد في هذا الحديث ما يتعلق بالمراء ، فقد رغّب النبي -صلى الله
عليه وسلم- في تركه ورتب على ذلك الأجر العظيم، كما نهى عنه النبي -صلى
الله عليه وسلم- في أحاديث أخرى، ومنها:
ما رواه أحمد من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:.
"لا يؤمن العبد الإيمان كله حتى يترك الكذب في المزاح ، ويترك المراء وإن كان صادقا".
وما رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :.
"لا تمار أخاك ".
وفي هذه الأحاديث ونحوها يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من جميع الأمور
التي لا تناسب المسلم ولا يصلح أن تكون من أخلاقه، ومن تلك الأخلاق غير
المرضية:
المراء، والمقصود به في اللغة: استخراج غضب المجادل.
من قولهم: مريت
الشاة، إذا استخرجت لبنها، وحقيقة المراء المنهي عنه: طعن الإنسان في كلام
غيره؛ لإظهار خلله واضطرابه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيته عليه.
وإن كان المماري على حق ، فإنه لا يجوز له أن يسلك هذا السبيل؛ لأنه لا
يقصد من ورائه إلا تحقير غيره والانتصار عليه.
أما الجدال فهو من الجدل ، والجدل في اللغة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها،
وحقيقة الجدل في الاصطلاح الشرعي:
فتل الخصم ورده بالكلام عن قصده الباطل. وهو مأمور به على وجه الإنصاف وإظهار الحق، قال ابن الجوزي في كتابه الإيضاح:
اعلم - وفقنا الله وإياك – أن معرفة هذا العلم لا يستغني عنها ناظر، ولا
يتمشى بدونها كلام مناظر ؛ لأن به تتبين صحة الدليل من فساده ، تحريراً
وتقريراً، ولو ترك هذا العلم لأدى إلى الخبط وعدم الضبط.
وقد تكلم العلماء عن الجدل والمجادلة كثيراً ، وألفوا فيها المؤلفات، وبينوا أهدافها ومقاصدها،
ورسموا آدابها وأخلاقها، ومن ذلك ما قاله ابن الجوزي في كتابه الإيضاح: أول ما تجب البداءة به:
(حسن القصد في إظهار الحق طلبا لما عند الله تعالى، فإن آنس من نفسه الحيد عن الغرض الصحيح فليكفّها بجهده،
فإن ملكها، وإلا فليترك المناظرة في ذلك المجلس، وليتق السباب والمنافرة فإنهما يضعان القدر، ويكسبان الوزر ،
وإن زل خصمه فليوقفه على زلـله ، غير مخجل له بالتشنيع عليه ، فإن أصر أمسك، إلا أن يكون ذلك
الزلل مما يحاذر استقراره عند السامعين، فينبههم على الصواب فيه بألطف الوجوه جمعا بين المصلحتين) .
وهذا النوع من المجادلة مأمور به، ومن الأدلة عليه قوله تعالى:.
" وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل: 125.وقوله:.
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"العنكبوت: 46 .وقوله :."قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"البقرة: 111.
وقد فعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كابن عباس – رضي الله عنهما- لما جادل الخوارج والحرورية،
ورجع منهم خلق كثير، وفعله السلف أيضا كعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه ، فإنه جادل الخوارج أيضاً
.